نَشْرًا (٣)} الرياح، ويكون المراد بقوله: ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥)﴾ الملائكة.
فإن قلت: وما المجانسة بين الرياح والملائكة جمع بينهما في القسم؟
قلت: الملائكة روحانيّون، فهم بسبب لطافتهم وسرعة حركاتهم شابهوا الرياح، فحصلت المجانسة بينهما من هذا الوجه، فحسن الجمع بينهما في القسم. وقوله: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾؛ أي: للإعذار والإنذار من الله تعالى. وقيل: عذرا من الله ونذرًا منه إلى خلقه اهـ من "الخازن" بتصرف.
وعبارة "الروح" هنا: قوله: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)﴾ إلخ، ﴿الواو﴾: فيه للقسم والمرسلات بمعنى الطوائف المرسلات جمع مرسلة بمعنى طائفة مرسلة باعتبار أن ملائكة كل يوم أو كل عام أو كل حادثة طائفة. ﴿عُرْفًا﴾ بمعنى متتابعة من عرف الفرس، وهو الشعرات المتتابعة فوق عنقه، فهو من باب التشبيه البليغ بأن شبّهت الملائكة المرسلون في تتابعهم بشعر عرف الفرس. وانتصابه على الحالية؛ أي: وأقسم لكم بالطوائف المرسلة من الملائكة لتدبير العالم حالة كونهنّ جاريات بعضها إثر بعض كعرف الفرس. أو العرف بمعنى المعروف والإحسان، نقيض المنكر بمعنى المنكر؛ أي: الشيء القبيح، فإنهم إن أرسلوا للرحمة فظاهر، وإن أرسلوا لعذاب الكفّار فذلك معروف للأنبياء والمؤمنين. يعني: أنَّ عذاب الأعداء إحسان للأولياء فانتصابه حينئذٍ على العلّية.
والمعنى: وأقسم لكم بالطوائف المرسلة من الملائكة إلى الأنبياء لأجل تبليغ العرف والخبر والشرع، وإيصاله إليهم. ويقال: عصفت الريح إذا اشتدّ هبوبها، و ﴿عَصْفًا﴾ مصدر مؤكد، وكذا ﴿نَشْرًا﴾ ﴿فَرْقًا﴾. والفاء في قوله: ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢)﴾ للدلالة على اتصال سرعة جريهنّ في نزولهن وهبوطهنّ بالإرسال من غير مهلة، وهي أعني: الفاء لعطف الصفة على الصفة؛ إذ الموصوف متحد. والنشر في قوله: ﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣)﴾ بمعنى البسط، والعدول فيه إلى الواو؛ لأنّها غير المرسلات. فالقسم الأول وصفهم الله تعالى بوصفين يتعقب أحدهما على الآخر، والقسم الثاني وصفهم بثلاثة أوصاف كذلك. والفرق والفصل والإلقاء هنا بمعنى الإيصال والإنزال لا الطرح. و ﴿ذِكْرًا﴾ بمعنى الوحي مفعول ﴿الملقيات﴾،


الصفحة التالية
Icon