والفرّاء: هما لغتان بمعنى واحد، تقول: قدرت كذا وقدرته. ﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾؛ أي: نعم المقدرون نحن، وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود - رضي الله عنه -. ويجوز (١) أن يكون ﴿فَقَدَرْنَا﴾ من القدرة بمعنى فقدرنا على ذلك؛ أي: على خلقه وتصويره كيف شئنا وأردنا من مثل تلك المادة الحقيرة، على أن المراد بالقدرة ما يقارن وجود المقدور بالفعل، ويعضد هذا المعنى قوله: ﴿فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ حيث خلقناه بقدرتنا وجعلناه على أحسن الصور والهيئات.
والمعنى (٢): أي ألا تعترفون بأنكم خلقتم من نطفة مذرة منتنة وضعت في الأرحام إلى حين الولادة، ونحن قد قدرنا ذلك فنعم المقدرون، إذ خلقناكم في أحسن الصور والآيات، أفلا يستحق ذلك الخالق منكم الشكران لا الكفران والاعتراف بوحدانيته وإرساله للرسل والإقرار بالبعث، لكنكم كفرتم أنعمه، ونكلتم عن الاعتراف بوحدانيته، وعبدتم الأصنام والأوثان، وأنكرتم يوم الفصل والجزاء، فسترون في هذا اليوم عاقبة ما اجترحتم.
٢٤ - ﴿وَيْلٌ﴾؛ أي: خزي وعذاب عظيم ﴿يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾؛ أي: لمن كذب بهذه المنن العوالي، أو لمن كذب بقدرتنا على ذلك أو على الإعادة. قال أبو الليث؛ أي: الشدة من العذاب لمن يرى الخلق الأول، فأنكر الخلق الثاني اهـ.
٢٥ - وبعد أن ذكرهم بالنعم التي أنعم بها عليهم في الأنفس ذكرهم بما أنعم عليهم في الآفاق، وأرشد إلى أمور ثلاثة:
١ - ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (٢٥)﴾؛ أي: مهادًا لكم، فتكفتكم وتجمعكم فيها
٢٦ - ﴿أَحْيَاءً﴾ على ظهرها ﴿وَأَمْوَاتًا﴾ في بطنها. فالأحياء يسكنون في منازلهم، والأموات يدفنون في قبورهم. عرفهم أوّلًا نعمه الأنفسية؛ لأنها كالأصل، ثم أتبعها النعم الآفاقية. والكفات (٣) اسم ما يكفت؛ أي: يضم ويجمع، من كفت الشيء إذا ضمه وجمعه كالضمام لما يضم، والجماع لما يجمع، نحو قولهم: التقوى جماع كل خير، والخمر جماع كل إثم. و ﴿كِفَاتًا﴾ مفعول ثان لـ ﴿نَجْعَلِ﴾؛ لأنه بمعنى: ألم نصيّرها ﴿كِفَاتًا﴾ تكفت وتضم ﴿أَحْيَاءً﴾ كثيرة على ظهرها، فهو منصوب بفعل مضمر، يدل عليه كفاتًا، وهو تكفت وإلا فالأسماء الجامدة، وكذا أسماء الزمان
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.