من الكتابة، ومن الشجر المغروس، ومن القوم الوقوف. وسطر فلان كذا؛ أي: كتبه سطرًا سطرًا. وعن بعض الحكماء (١): قوام أمور الدين والدنيا بشيئين: القلم والسيف، والسيف تحت القلم لولا القلم ما قام دين ولا صلح عيش. قال بعضهم:

إن يَخْدُمِ الْقَلَمُ السَّيْفَ الَّذِيْ خَضَعَتْ لَهُ الرِّقَابُ وَدَانَتْ خَوْفَهُ الأُمَمُ
كَذَا قَضَى الله للأقْلاَمِ مُذْ بُرِيَتْ أَنَّ السُّيُوفَ لَهَا مُذ أُرْهِفَتْ خَدَمُ
وقال بعضهم:
إِذَا أَقْسَمَ الأَبْطَالُ يَوْمًا بِسَيْفِهِمْ وَعَدُّوهُ مِمَّا يَجْلِبُ الْمَجْدَ وَالْكَرَمْ
كَفَى قَلَمَ الْكُتَابِ فَخْرًا وَرِفْعَةً مَدَى الدَّهْرِ أنَّ الله أَقْسَمَ بِالْقَلَمْ
٢ - وجواب القسم قوله: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾ ﴿مَا﴾ نافية، و ﴿أَنْتَ﴾ اسمها، و ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ خبرها، والباء: في ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ متعلقة بمحذوف هو حال من الضمير في خبر ﴿مَا﴾ وهو ﴿مجنون﴾، والعامل فيها معنى النفي، كأنّه قيل: انتفى عنك الجنون يا محمد، وأنت بريء منه متلبسًا بنعمة الله التي هي النبوة والرياسة العامة. والمراد تنزيهه عليه السلام عما كانوا ينسبونه إليه - ﷺ - من الجنون حسدًا وعداوةً ومكابرةً مع جزمهم بأنه - ﷺ - في غاية الغايات من حصافة العقل، ورزانة الرأي، والجنون حائل بين النفس والعقل، كما سيأتي.
قال أبو حبان (٢): قوله: ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ قسم اعترض به بين المحكوم عليه والحكم على سبيل التأكيد، والتشديد والمبالغة في انتفاء الوصف الذميم عنه - ﷺ -، وذهب إلى القسم أيضًا الشيخ نجم الدين في "تأويلاته". والمعنى؛ أي: وما أنت ونعمة ربك بمجنون. وقيل: النعمة هنا الرحمة، والآية رد على الكفار حيث قالوا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾.
ومعنى الآية: أنك لست بالمجنون كما يزعمون، فقد أنعم الله عليك بالنبوة وحصافة العقل وحسن الخلق.
٣ - ثم بين بعض نعمه عليه، فقال:
(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon