حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكُوْا لِعِظَامِهِ لَحْمًا وَلَا لِفُؤَادِه مَعْقُولًا
أي: عقلًا. والجلادة واليسر. وعلى هذا الباء إما للإلصاق نحو قولهم: به داء؛ أي: بأيّ الفريقين منكم المجنون أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين؛ وقال الفرّاء: إنَّ الباء بمعنى في، والمفتون بمعنى المجنون مبتدأ مؤخّر. أي: في أيّكم المفتون أفي الفريق الذي أنت فيه أم في الفريق الآخر؟. ويؤيد هذا قراءة ابن أبي عبلة ﴿في أيكم المفتون﴾. وقال الأخفش: الكلام على حذف مضاف؛ أي: بايكم فتن المفتون، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وقيل: المفتون: المعذب من قول العرب: فتنت الذهب بالنار إذا أحميته، ومنه قوله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)﴾. وقيل: المفتون هو الشيطان، لأنّه مفتون في دينه، والمعنى: بأيّكم المفتون، والأمة داخلة في خطاب ﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ بالتبعية، لا يختص به - ﷺ -، وهو تعريض لصناديد قريش كأبي جهل وأضرابه.
والمعنى (١): فستعلم أيها الرسول وسيعلم مكذّبوك من المفتون الضال منكم ومنهم؟. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦)﴾؛ أي: أصالح عليه السلام أم قومه؟ وقوله: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٤)﴾.
والخلاصة: ستبصر ويبصرون غلبة الإِسلام واستيلاءك عليهم بالقتل والأسر، وهيبتك في أعين الناس أجمعين، وصيرورتهم أذلاء صاغرين. وهذا يشمل ما كان في بدر وغيرها من الوقائع التي كان فيها النصر المبين للمؤمنين، والخزي والهوان وذهاب صولة المشركين مما كان عبرة ومثلًا للآخرين.
٧ - ثم أكد ما تضمنه الكلام السابق من الوعد والوعيد، فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ...﴾ إلخ. وهذه الجملة تعليل للجملة التي قبلها، فإنها تتضمن الحكم عليهم بالجنون لمخالفتهم لما فيه نفعهم في العاجل والآجل، واختيارهم ما فيه ضررهم فيهما.
والمعنى: أي إنّ ربك يا محمد هو وحده أعلم ﴿بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ سبحانه الذي هو التوحيد الموصل إلى سعادة الدارين، وهام في تيه الضلال متوجهًا
(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon