﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾. قال الراغب: الزنيم والمزنّم: الزائد في القوم، وليس منهم؛ أي: المنتسب إلى قوم، وهو معلّق بهم لا منهم تشبيهًا بالزنمتين من الشاة، وهما المتدلّيتان من أذنها ومن الحلق. وفي "الكشاف": الزنيم من الزنمة، وهي الهنة من جلد الماعزة تقطع فتخلى معلقة في حلقها؛ لأنه زيادة معلقة بغير أهله. والظاهر من قول ابن عباس رضي الله عنهما الحقيقة حيث قال: إنه لم يعرف حتى قيل: زنيم فعرف أنه كان له زنمة في حلقه. ويقال: كان يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها. وقال مجاهد: كانت له ستة أصابع في يده في كل إبهام إصبع زائدة. والظاهر: أنّ هذه الأوصاف ليست لمعين. قال العتيبيُّ: لا نعلم أن الله سبحانه وصف أحدًا، ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة، فألحق به عارًا لا يفارقه أبدًا. وفي قوله: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ دلالة على أن دعوته أشد معايبه وأقبح قبائحه. وكان الوليد دعيًّا في قريش، وليس من نسبهم وسنخهم؛ أي: أصلهم. ادعاه أبوه المغيرة بعد ثماني عشرة سنة من مولده. وقيل: بغت أم الوليد ولم يعرف، حتى نزلت هذه الآية. فمعنى ﴿زَنِيمٍ﴾ حينئذٍ: ولد الزنا. قال الشاعر:

زَنيْمٌ لَيْسَ يُعْرَفُ مَنْ أَبَوهُ بِغَيُّ الأمِّ ذُو حَسبٍ لَئِيْمُ
وقال سعيد بن جبير: الزنيم: المعروف بالشرّ. وقيل: هو رجل من قريش، كان له زنمة كزنمة الشاة. وقيل: هو الظلوم. وقيل: نزلت الآية في الأخنس بن شريق، واسمه أبيّ، وكان ثقفيًّا مصطلقيّا في قريش، فلذلك قال: زنيم لا على جهة الذمّ لنسبه، ولكن على جهة التعريف به، ذكره السهيلي. قال ابن عطية: وظاهر اللفظ عموم من بهذه الصفة، والمخاطبة بهذا مستمرّة باقي الزمن لا سيّما لولاة الأمور. فقوله: ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ هاهنا نظير ﴿ثمّ﴾ في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ من حيث إنها للتراخي رتبة.
ثم هذا الترتيب إنما هو في قول الواصف لا في حصول تلك الصفات في الموصوف، وإلا فكونه عتلًا هو قبل كونه صاحب خير يمنعه. وفي "برهان القرآن": قوله: ﴿حَلَّافٍ﴾ إلى قوله: ﴿زَنِيمٍ﴾ أوصاف تسعة، ولم يدخل بينها واو العطف، ولا بعد السابع، فدل على أن ضعف القول بواو الثمانية صحيح. وقرأ الحسن ﴿عتل﴾ برفع اللام على الذمّ، والجمهور بجرّها.


الصفحة التالية
Icon