المساكين فضلًا عن أن يكثروا. لأنَّ ﴿أن﴾ هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول.
والمعنى: يسرّ بعضهم إلى بعض هذا القول، وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم.
والمعنى (١): يتشاورون فيما بينهم بطريق المخافتة والسر كي لا يسمع أحد بهم، ولا يدخل عليهم. وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة ﴿لَا يَدْخُلَنَّهَا﴾ بإسقاط أن على إضمار يقولون. والمسكين: هو الذي لا شيء له، وهو أبلغ من الفقير، والمراد بنهي المسكين عن الدخول المبالغة في النهي عن تمكينه من الدخول كقولهم: لا أرينك هاهنا، فإنّ دخول المسكين عليهم لازم لتمكينهم إيّاه من الدخول كما أنَّ رؤية المتكلم المخاطب لازم لحضوره عنده، فذكر اللازم لينتقل منه إلى الملزوم.
٢٥ - ﴿وَغَدَوْا﴾؛ أي: مشوا بكرة مصممين ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾؛ أي: على منع المساكين وحرمانهم. والحرد: المنع عن حدة وغضب، يقال: نزل فلان حريدًا، أيّ: ممتنعًا من مخالطة القوم، وحاردت السنة: منعت قطرها، والناقة: منعت درها، وحرد: غضب. وقرأ الجمهور ﴿حَرْدٍ﴾ بسكون الراء، وقرأ أبو العالية، وابن السميفع بفتحها. ﴿قَادِرِينَ﴾ حال مقدرة من فاعل ﴿غَدَوْا﴾، فإنَّ القدرة مع الفعل عند أهل الحقّ.
والمعنى: أي وخرجوا أول الصباح مصممين على امتناع من أن يتناول المساكين من جنتهم حال كونهم قادرين على نفعهم أو على الاجتناء، والصرم بزعمهم، فلم يحصل إلّا الكد والحرمان، فهم قد تعجلوا الحرمان، وكان أولى بهم أنت تكون هممهم متوجهة إلى النفع الذي هم قادرون عليه. ولكن (٢) واخيبة أملاه، وواضياع مسعاهم، ويا هول ما رأوه مما لا تصدقه العين، ولا يخطر لهم ببال بستان كان بالأمس عامرًا زاخرًا بالخير والبركة أصبح قاعًا صفصفًا قد تغيرت معالمه، ودرست رسومه حتى تشككوا فيه حين رأوه،
٢٦ - كما قال سبحانه؛ ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾؛ أي: فلما صاروا إلى جنتهم ورأوها محترقة أنكروها، وشكوا فيها، و ﴿قَالُوا﴾؛ أي: قال بعضهم لبعضٍ: ﴿إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ عن طريق جنتنا، وما هي بها لما رأوا من هلاكها، أي: قالوا: أبستاننا هذا أم نحن ضالون طريقه؟.
٢٧ - ولكن بعد أن تبينت لهم معالمه
(٢) المراغي.