٣٠ - وبعد أن حدث ما حدث ألقى كلّ منهم تبعة ما وقع على غيره، وتشاحنوا وهذا ما أشار إليه بقوله سبحانه: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ حال كونهم ﴿يَتَلَاوَمُونَ﴾؛ أي: يلوم (١) بعضهم بعضًا على ما فعلوا، فإنَّ منهم من أشار بذلك، ومنهم من استصوبه، ومنهم من سكت راضيًا به، ومنهم من أنكره. فيقول هذا لهذا: أنت الذي أشرت علينا بهذا الرأي، وبقول ذاك لهذا: أنت الذي خوفتنا الفقر، ويقول الثالث لغيره: أنت الذي رغّبتني في جمع المال.
٣١ - ثم نادوا عفى أنفسهم بالويل والثبور، كما أشار إلى ذلك سبحانه حاكيًا عنهم ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا﴾ ويا هلاكنا أقبل إلينا لنتعجب منك، أي: قالوا: أقبل أيها الهلاك فلا نستحق غيرك. ثم بينوا علة هذا الدعاء بقولهم: ﴿إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾؛ أي: عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء. قال ابن كيسان أي: طغينا في نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل.
٣٢ - ثم رجعوا إلى الله، وسألوه أن يعوضهم بخير منها، فقالوا: ﴿عَسَى رَبُّنَا﴾؛ أي: نترجى ربنا ﴿أَنْ يُبْدِلَنَا﴾ ويعطينا بدلًا ﴿خَيْرًا مِنْهَا﴾ أي: من جنتنا بتوبتنا من زلَّاتنا، ويكفر عنا سيئاتنا. قيل: إنهم تعاقدوا فيما بينهم، وقالوا: إن أبدلنا الله خيرًا منها لنصنعن كما صنع أبونا، فدعوا الله وتضرّعوا إليه، فأبدلهم من ليلتهم ما هو خير منها. قيل: إنَّ الله أمر جبريل أن يقتلع تلك الجنة المحترقة، ويأخذ من الشام جنة فيجعلها مكانها. وقرأ الجمهور (٢) ﴿يُبْدِلَنَا﴾ بالتخفيف من الإبدال. وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتشديد من التبديل، وهما لغتان. والإبدال: رفع الشيء جملةً ووضع آخر مكانه. والتبديل: تغيير ذات الشيء أو تغيير صفته.
﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾؛ أي: راجون العفو منه، طالبون الخير منه، راجعون إليه تعالى. و ﴿إِلَى﴾ لانتهاء الرغبة؛ لأنّ الله تعالى منتهى رجائهم، وطلبهم أو لتضمنها معنى الرجوع، وإلا فالمشهور أن تتعدى الرغبة بكلمة في أو عن دون إلى. روى عن مجاهد: أنهم تابوا فأبدلهم الله تعالى خيرًا منها.
٣٣ - ﴿كَذَلِكَ﴾ خبر مقدم لإفادة القصر ﴿الْعَذَابُ﴾ مبتدأ مؤخر، والألف واللام فيه
(٢) الشوكاني.