التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿عَبَسَ﴾ الرسول الكريم محمد - ﷺ -؛ أي: قطب وكلح، وغير لون وجهه، وانقبض لأجل أن جاءه الأعمى ﴿وَتَوَلَّى﴾ أي: أعرض بوجهه عنه لأجل
٢ - ﴿أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)﴾ ولم يلتفت إليه، والضمير لمحمد - ﷺ -، وهو علة التولي على رأي البصريين لقربه منه، ولـ ﴿عَبَسَ﴾ على رأي الكوفيين لسبقه، والمختار: مذهب البصريين؛ لعدم الإضمار في الثاني، وجاء في (١) هذه المواضع بضمائر الغائب إجلالًا له - ﷺ -، ولطفًا به لما في المشافهة بتاء الخطاب مما لا يخفى، وجاء بلفظ ﴿الْأَعْمَى﴾ إشعارًا بما يناسب من الرفق به، والإصغاء لما يقصده. اهـ "البحر". والأعمى من اتصف بالعمى، والعمى: افتقاد البصر، ويقال في افتقاد البصيرة أيضًا، ولام (٢) الأعمى للعهد، فيراد به: أعمى معروف، وهو ابن مكتوم المؤذِّن الثاني لرسول الله - ﷺ - في أذان الفجر، ولذلك قال - ﷺ -: "إن بلالًا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم". وكان من المهاجرين الأولين، استخلفه النبي - ﷺ - على المدينة مرتين حين خرج غازيًا، وقيل: ثلاث مرات، مات بالمدينة، وقيل: شهيدًا بالقادسية في خلافة عمر، وهي قرية فوق الكوفة.
واختلفوا في اسم ابن أم مكتوم، فقيل: هو عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بني عامر بن لؤي، وقيل: عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم من بني عامر بن هلال، وهو ابن خال خديجة رضي الله عنها، وأم مكتوم اسم أم أبيه كما في "الكشاف"، وقال السعدي: هو وهم، فقد نص ابن عبد البر وغيره أنها أمه، واسمها: عاتكة بنت عامر بن مخزوم.
وقد تقدم لك في أسباب النزول ما روي أن ابن أم مكتوم أتى رسول الله - ﷺ -، وذلك في مكة، وعنده صناديد قريش - كما مر بيان أسمائهم هناك - يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم؛ لأن عادة الناس أنه إذا مال أكابرهم إلى أمر.. مال إليه غيرهم، كما قيل: الناس على دين ملوكهم، فقال له: يا رسول الله علمني مما علمك الله أنتفع به، وكرر ذلك، وهو لا يعلم تشاغله - ﷺ - بالقوم إذ
(٢) روح البيان.