بالكلية، وكلمة ﴿لعل﴾ (١) مع تحقق التزكِّي وارد على سنن الكبراء، فإن لعل في كلام العظماء يراد به القطع والتحقق، أو على اعتبار معنى الترجي بالنسبة إليه - ﷺ - للتنبيه على أن الإعراض عنه عند كونه مرجو التزكي مما لا يجوز، فكيف إذا كان مقطوعًا بالتزكي، كما في قولك: لعلك ستندم على ما فعلت، وجملة ﴿لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ مستأنفة لبيان أنَّ له شأنًا ينافي الإعراض عنه، فالضمير في ﴿لَعَلَّهُ﴾ راجع للأعمى كما مر آنفًا، وقيل (٢): هو راجع إلى الكافر؛ أي: وما يدريك أن ما طمعت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى أو يذكر، والأول أولى، قال أبو حيان: وهذا القول الأخير ينزه عنه حمل القرآن عليه.
٤ - ﴿أَوْ يَذَّكَّر﴾ بتشديدين أيضًا، أصله: يتذكر، والتذكر: الاتعاظ؛ أي: أو يتعظ. ﴿فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾؛ أي: فتنفعه ذكراك وموعِظتك إن لم يبلغ درجة التزكي التام، وفي "الكشاف": المعنى: إنك لا تدري ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر، ولو دريت لما فرط ذلك منك. انتهى.
أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿يَزَّكَّى﴾ من باب التخلية من الأثام، وقوله: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ من باب التحلية ببعض الطاعات، ولهذا دخلت كلمة الترديد، فقوله: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾، عطف على ﴿يَزَّكَّى﴾ داخل معه في حكم الترجي، وقوله: ﴿فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى﴾ بالنصب على جواب لعل تشبيهًا له بليت، كقوله: ﴿فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾، وفيه إشارة إلى أن من تصدى لتزكيتهم وتذكيرهم من المشركين، لا يرجى منهم التزكي ولا التذكر أصلًا، واشعار بأن اللائق بالعالم أن يقصد بتعليمه تزكية متعلمه، ولا ينظر إلى شبحه وصورته، كما ينظر العوام، وبالمتعلم أن يريد بتعلمه تزكية نفسه عن أرجاس الضلالة، وتطهير قلبه من أدناس الجهالة، لا أحكام الدنيا الدنية.
وقرأ الجمهور: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ﴾ بتشديد الذال والكاف، وأصله يتذكر - كما مر - فأدغم. وقرأ الأعرج وعاصم في رواية: ﴿أو يذكر﴾ بسكون الذال وضم الكاف.
وقرأ الجمهور ﴿فَتَنْفَعَهُ﴾ برفع العين، عطفًا على ﴿أو يذكرُ﴾. وقرأ عاصم في المشهور والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزغفراني بنصبهما.
٥ - ثم ذكر أن أمره
(٢) الشوكاني.