الحرميان نانع وابن كثير بتشديدها، أدغمت التاء في الصاد. وقرأ أبو جعفر: ﴿تصدى﴾ بضم التاء وتخفيف الصاد؛ أي: يصديك حرصك على إسلامه، يقال: تصدى الرجل وصديته.
وحاصل المعنى: أي ليان الذي استغنى عن الإيمان بالله، وعن طاعته وطاعة رسوله، واستغنى بماله وجاهه عن قبول الحق، وعن استماع النصيحة، وعن سماع القرآن، فأنت تتعرض له، وتشغل نفسك بوعظه والإقبال عليه، مع أنك رسول مبلغ، وما عليك إلا البلاغ، وقد أديت ما يجب عليك، فإن كان المغرور قد ظن في ماله غنى عن هداية الله تعالى، ورضي لنفسه أن يبقى في دنس الكفر، فما عليك عيب في بقائه كذلك، فما بالك يشتد عليك الحرص على إسلامه.
وقصارى ذلك: لا يبلغن بك الحرص على إسلامهم، والاشتغال بدعوتهم أن تعرض عن الذين سبقت لهم منا الحسنى.
٢ - ٨ ﴿وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ﴾ حال كونه ﴿يَسْعَى﴾ ويمشي بسرعة في أمر دينه؛ أي: حال كونه مسرعًا طالبًا لما عندك من أحكام الرشد، وخصال الخير،
٩ - ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: والحال أنه ﴿يَخْشَى﴾ الله سبحانه وتعالى، أو يخشى الكفار وأذاهم بإتيانك، أو يخاف العثار والسقوط؛ لكونه أعمى، وقد جاء بلا قائد يقوده. قال سعدي (١) المفتي الظاهر أن النظم من الاحتباك، ذكر الغنى أولًا للدلالة على الفقر ثانيًا، وذكر المجيء والخشية ثانيًا للدلالة على ضدهما أولًا
١٠ - ﴿فَأَنْتَ﴾ يا محمد ﴿عَنْهُ﴾؛ أي: ذلك الجائي الخاشي ﴿تَلَهَّى﴾ بحذف إحدى التاءين تخفيفًا؛ أي: تتهلى (٢) وتتشاغل من لهي عن الشيء - بكسر الهاء بوزن رضي - يلهى لهيًا: أعرض عنه، لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهوًا إذا لعبت به؛ لأن الفعل مسند إلى ضمير النبي - ﷺ -، ولا يليق بشانه الرفيع أن ينسب إليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة، وفي بعض التفاسير: ولو أخذ من اللهو، وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب؛ لكونه عبثًا لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه. انتهى.

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon