وفيه أنه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثًا، ولا يقول به المؤمن، وذلك لأنه لا يجوز للنبي - ﷺ - التشاغل بأهل التغافل إلا بطريق التبليغ والإرشاد، فكيف لا يترتب عليه نفع، وفي تقديم ضميره - ﷺ -، وهو ﴿أنت﴾ على الفعلين تنبيه على أن مناط الإنكار خصوصيته - ﷺ -؛ أي: مثلك خصوصًا لا ينبغي أن يتصدى للمستغني، ويتلهى عن الفقير الطالب للخير، وفي تقديم ﴿لَهُ﴾ و ﴿عَنْهُ﴾ للتعريض باهتمامه - ﷺ - بمضمونهما تنبيه؛ حيث أفادت القصة أن العبرة بالأرواح والأحوال، لا بالأشباح والأموال، والعزيز: من أعزه الله بالإيمان والطاعة، وإن كان بين الناس ذليلًا، والذليل: من أذله الله بالكفر والمعصية، وإن كان بين الناس عزيزًا.
روي: أنه - ﷺ - ما عبس بعد ذلك في وجه فقير قط، ولا تصدى لغني، وكان الفقراء في مجلسه - ﷺ - أمراء، يعني: كان يحترمهم كل الاحترام، وفيه تأديب للصغير بالكبير، فحملة العلم والشرع والحكام مخاطبون في تقريب الضعيف من أهل الخير، وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي - ﷺ - في هذه السورة، وقرأ الجمهور: ﴿تَلَهَّى﴾ والبزي عن ابن كثير: ﴿عنه تلهى﴾ بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل، وأبو جعفر بضمها مبنيًا للمفعول؛ أي: يشغلك دعاء الكافر للإسلام، وطلحة بتاءين، وعنه: بتاء واحدة وسكون اللام. اهـ من "البحر".
وخلاصة المعنى: أي وأما من جاءك مسرعًا في طلب الهداية، والقرب من ربه، وهو يخشاه، ويحذر الوقوع في الغواية، فأنت تتهلى عنه، وتتغافل عن إجابته إلى مطلبه.
١١ - وقوله: ﴿كَلَّا﴾ ردع (١) له - ﷺ - عما عوتب عليه؛ أي: لا تفعل بعد هذا الواقع منك مثله من الإعراض عن الفقير، والتصدي للغني، والتشاغل به مع كونه ليس ممن يتزكى عن إرشاد من جاءك من أهل التزكي والقبول للموعظة، وهذا الواقع من النبي - ﷺ - هو من باب ترك الأولى والأفضل، فأرشده الله سبحانه إلى ما هو الأولى به.