والمعنى: أي انزجر عن التصدي للمستغني، والإعراض عن إرشاد المسترشد. قال الحسن: لما تلا جبريل هذه الآيات على النبي - ﷺ -.. عاد وجهه كأنما استعب فيه الرماد؛ أي: تغير كأنما ذر عليه الرماد، ينتظر ما يحكم الله عليه، فلما قال: ﴿كَلَّا﴾ سري عنه؛ أي: لا تفعل مثل ذلك فإنه غير لائق بك ﴿إِنَّهَا﴾؛ أي إن هذه الآيات أو السورة أو القرآن، والتأنيث باعتبار الخبر، وهو قوله: ﴿تَذْكِرَةٌ﴾؛ أي: موعظة حقها أن تتعظ بها، وتقبلها، وتعمل بموجبها، ويعمل بها كل أمتك.
والمعنى: أي ليس الأمر كما تعمل أيها الرسول بأن تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتقبل على من استغنى، بل الهداية المودعة في الكتب الإلهية، وأجلها القرآن تذكير ووعظ وتنبيه لمن غافل عن آيات ربه.
١٢ - وقد وصف سبحانه تلك التذكرة بأوصاف تدل على مالها من عظيم الشأن، فقال:
١ - ﴿فَمَنْ شَاءَ﴾؛ أي؛ فمن رغب فيها ﴿ذَكَرَهُ﴾؛ أي: القرآن؛ أي: حفظه، ولم ينسه، وعمل بموجبه؛ أي: فمن رغب فيها اتعظ بها وحفظها وعمل بموجبها، ومن رغب عنها كما فعله من استغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره، قيل (١): الضميران في ﴿إِنَّهَا﴾، وفي ﴿ذَكَرَهُ﴾ للقران، وتأنيث الأول لتأنيث خبره، وقيل: الأول للسورة أو للآيات السابقة، والثاني: للتذكرة؛ لأنها في معنى الذكر، وقيل: إن معنى: ﴿فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢)﴾ فمن شاء الله ألهمه وفهمه القرآن حتى يذكره ويتعظ به، والأول أولى.
وحاصل المعنى: أي إن التذكرة بينة ظاهرة، فلو أن إنسانًا أراد أن يتدبرها ويتفهم معناها، ويتعظ بها، ويعمل بموجبها لقدر على ذلك واستطاعه، ولا يمنعه عن الاهتداء بها إلا عدم المشيئة عنادًا واستكبارًا،
١٣ - ثم أخبر سبحانه عن عظم هذه التذكرة وجلالتها، فقال:
٢ - ﴿فِي صُحُفٍ﴾: إنها تذكرة كائنة في صحف جمع صحيفة، وكل مكتوب عند العرب صحيفة، فالجار (٢) والمجرور متعلق بمحذوف، وهو صفة لـ ﴿تَذْكِرَةٌ﴾، وما

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon