بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف، جيء به للترغيب فيها، والحث على حفظها؛ أي: إنها تذكرة كائنة في صحف منتسخة من اللوح، أو خبر ثانٍ لـ ﴿إن﴾، فالجملة معترضة بين الخبرين. ﴿مُكَرَّمَةٍ﴾: صفة لـ ﴿صُحُفٍ﴾؛ أي: مكرمة مشرفة عند الله تعالى لما فيها من العلم والحكمة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ، وقيل: صحف القرآن المكرم؛ لأن الصحف يطلق على كتب الأنبياء، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)﴾.
١٤ - ومعنى: ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ رفيعة القدر والذكر عند الله تعالى، فإنها في المشهور موضوعة في السماء الدنيا في مكان يقال له: بيت العزة، وقيل: مرفوعة في السماء السابعة. قال الواحدي (١): قال المفسرون ﴿مُكَرَّمَةٍ﴾ يعني: اللوح المحفوظ ﴿مَرْفُوعَةٍ﴾ يعني: في السماء السابعة. وقال ابن جرير: مرفوعة القدر والذكر، وقيل: مرفوعة عن الشبهة والتناقض ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾؛ أي: منزهة عن مساس أيدي الشياطين، لا يمسها إلا المطهرون، وفيه: أن الصحف بأيدي الملائكة في السماء الدنيا، والشياطين لا يصلون إلى السماء، فلا يظهر مدح الصحف بتطهرها عن مسهم. وقال الحسن: مطهرة من كل دنس ونقص. وقال السدي: مصانة من الكفار لا ينالونها.
١٥ - والظاهر (٢): أن الجار والمجرور في قوله: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)﴾ صفة لـ ﴿صُحُفٍ﴾؛ أي: في صحف كائنة بأيدي سفرة، أو مكتوبة بأيدي كتبة من الملائكة ينتسخونها من اللوح المحفوظ، ومن هذا (٣) وقف بعضهم على ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾ وقفًا لازمًا هربًا من توهم تعلق الباء به، وقيل: الباء متعلقة بـ ﴿مُطَهَّرَةٍ﴾. قال القفال في توجيهه: لما لم يمسها إلا الملائكة المطهرون.. أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها، وقال القرطبي: إن المراد بقوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)﴾: هؤلاء السفرة الكرام البررة، و ﴿السفرة﴾: جمع سافر، ككتبة وكاتب، من السفر، وهو الكتب؛ إذ في الكتابة معنى السفر؛ أي: الكشف والتوضيح، والكاتب سافر؛ لأنه يبين الشيء ويوضحه، وسمي السفر بفتحتين سفرًا؛ لأنه يسفر ويكشف عن أخلاق المرء، قالوا: وهذه اللفظة مختصة بالملائكة، لا تكاد تطلق على غيرهم، وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة.
وقال الفراء: السفرة هنا: الملائكة الذين يسفرون بالوحي بين الله تعالى

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon