ستوفى ما وعدت به جزاء إيمانها، وما قدمت من عمل صالح، وبشكرها لنعم ربها وآلائه، وإيثارها ما أمرها به على ما تهواه.
٤٠ - وأشار إلى الآخرين بقوله: ﴿وَوُجُوهٌ﴾ أخر، وهو مبتدأ، أول. ﴿يَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ يفر المرء عن أقربائه، وهو متعلق بـ ﴿تَرْهَقُهَا﴾ ﴿عَلَيْهَا﴾: خبر مقدم ﴿غَبَرَةٌ﴾؛ أي: غبار وكدورة لما تراه مما أعده الله لها من العذاب الأليم، وهو مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ﴿وُجُوهٌ﴾.
٤١ - ﴿تَرْهَقُهَا﴾؛ أي: يغشاها ويعلوا ﴿قَتَرَةٌ﴾؛ أي: سواد وظلمة كالدخان، ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه، كما إذا اغبر وجه الزنجي، قال سهل رحمه الله تعالى: غلب عليها إعراض الله عنها ومقته إياها، فهي تزداد في كل وقت ظلمة وقترة، والجملة الفعلية خبر ثانٍ ﴿وُجُوهٌ﴾.
٤٢ - ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بسواد الوجه ومخبوته ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾؛ أي: الجامعون بين الكفر والفجور، فلذا جمع الله سبحانه إلى سواد وجوههم الغبرة، وفي الحديث: "إن البهائم إذا صارت ترابًا يوم القيامة حول ذلك التراب في وجوه الكفار"، وفي "عين المعاني": أولئك هم الكفرة في حقوق الله، الفجرة في حقوق العباد. انتهى.
وقرأ الجمهور (١): ﴿قَتَرَةٌ﴾ بفتح التاء، وابن أبي عبلة بإسكانها، وفيه إشارة إلى أن الفجور الغير المقارن بالكفر ليس في درجة المقارن في المذمومية، والسببية للحقارة والمهانة والخذلان، إذ أصل الفجور: الكذب والميل عن الحق، ويستعمل فيه الذنب الكبير، وكثيرًا ما يقع ذلك من المؤمن العاصي، لكن ينبغي أن يخاف منه ويحذر عنه؛ لأن كبائر الذنب تجر إلى الكفر، كما أن صغائره تجر إلى الكبائر.
والمعنى (٢): أي ووجوه أخرى يعلوها غبار الذل، وسواد الغم والحزن، وهي وجوه الكفار الذين لم يؤمنوا بالله، وبما جاء به أنبياؤه، وخرجوا عن حدود شرائعه، واجترحوا السيئات، واقترفوا المعاصي.
وقصارى ما سلف: أن الناس إذ ذاك فريقان:
١ - فريق كان في دنياه يطلب الحق، وينظر في الحجة، ويعمل ما استقام عليه الدليل، لا يثنيه عن الأخذ به قلة الآخذين، ولا قوة المعاندين، وهؤلاء سيطمئنون

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon