أخبرته بسار بسط بشرة وجهه، وذلك أن النفس إذا سرت انتشر الدم انتشار الماء في الشجرة. ﴿عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾؛ أي: غبار ﴿تَرْهَقُهَا﴾ في "المختار": رهقه: غشيه، وبابه طرب، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ﴾. ﴿قَتَرَةٌ﴾؛ أي: ظلمة وسواد، وهذا تفسير ابن عباس، وعليه: فالفرق بين الغبار والقترة ظاهر، وقيل: القترة والغبرة معناهما واحد، وعليه فيفرق بأن القترة ما ارتفع من الغبار إلى السماء، والغبرة: ما انحط منه إلى الأرض. تأمل.
﴿هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ﴾ جمع كافر وفاجر: وهو الكاذب والمفتري على الله تعالى، فجمع الله تعالى إلى سواد وجوههم الغبرة، كما جمعوا الفجور إلى الكفر. اهـ. "خطيب".
وفي "القرطبي": الفاجر: الكاذب المفتري على الله تعالى، وقيل: الفاسق. اهـ. وفي "المختار": وفجر: فسق، وفجر: كذب، وبابهما دخل، وأصله: الميل، والفاجر: المائل. اهـ.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجيء بضمائر الغيبة في قوله: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)﴾ حيث لم يقل: عبست وتوليت أن جاءك الأعمى إجلالًا له - ﷺ -، ولطفًا به؛ لما في المشافهة بتاء الخطاب من الغلظة والشدة.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب زيادةً في العتاب؛ حيث قال أولًا: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)﴾ ثم قال: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)﴾ فالتفت تنبيهًا للرسول - ﷺ - إلى العناية بشأن الأعمى.
ومنها: تقديم التزكية في قوله: ﴿لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ على التذكر في قوله: ﴿أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)﴾ تقديمًا للتخلية على التحلية؛ لأن الأول من باب التخلية من الآثام، والثاني من باب التحلية بالطاعات.