وصفت النجوم بالانكدار مأخوذ من طعنه فكوره إذا ألقاه على الأرض.
فالحاصل: أن التكوير، إما بمعنى لف جرمها، أو لف ضوئها، أو الرمي بها. وفي الحديث: "إن الشمس والقمر نوران مكوران في النار يوم القيامة"؛ أي: مرميان فيها لازدياد الحر في جهنم، وكذا قال الطيبي: تكويرهما فيها ليعذب بهما أهل النار، لاسيما عباد الأنوار، لا ليعذبهما في النار، فإنهما بمعزل عن التكليف، بل سبيلهما في النار سبيل النار نفسها، وسبيل الملائكة الموكلين بها. انتهى. وكذا قال في تفسير الفاتحة للفناري: إن السماء إذا طويت واحدة بعد واحدة.. يرمى بكواكبها في النار.
فإن قيل: كيف يمكن تكويرهما في النار، وقد ثبت بالهندسة أن قرص الشمس في العظم يساوي كرة الأرض مئة وستين مرة وربع الأرض وثمنها؟.
أجيب: بأن الله تعالى قادر على أن يدخلها في قشرة جوزة على ذلك العظم، يقول الفقير (١): قد ثبت أن الله تعالى يمد الأرض يوم القيامة، فتكون أضعاف ما كانت عليه على أن وسعة الدارين ثابتة لكثرة أهلهما ووسعتهم، لأنه ثبت أن ضرس الكافر مثل جبل أُحد، وجسمه مسيرة ثلاثة أيام، فإذا كان جسد كل كافر على هذا الغلظ والعظم.. فاعتبر منه ووسعة جهنم، فقرص الشمس في النار كجوزة في وسط بيت واسع، ولا يعرف حد الدارين إلا الله تعالى.
٢ - ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)﴾؛ أي: وإذا النجوم تناثرت وذهب لألؤها، كما جاء في قوله: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)﴾ يقال: انكدر الطائر من الهواء إذا انقض، والأصل في الانكدار: الانصباب، قال أبو عبيدة: انصبت كما ينصب العقاب. قال الكلبي وعطاء: تمطر السماء يومئذٍ نجومًا، فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على الأرض، وقيل: انكدارها: طمس نورها. و ﴿النُّجُومُ﴾: جمع نجم، وهو الكوكب الطالع، وبه شبه طلوع النبات والرأي، فيقال: نجم النبت والرأي نجمًا ونجومًا، فالنجم اسم مرة، ومصدر أخرى، وذلك أن النجوم - على ما روى ابن عباس رضي الله عنهما - قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من نور، وتلك السلاسل

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon