وقرأ الجمهور (١): ﴿سُجِّرَتْ﴾ بالتشديد، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف.
والتشديد (٢) في مثل هذه الأفعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره، والتخفيف يحتمل القليل والكثير.
وخصت هذه السورة بـ ﴿سُجِّرَتْ﴾ موافقة لقوله: ﴿سُعِّرَتْ﴾، لأن معنى ﴿سُجِّرَتْ﴾ عند أكثر المفسرين: أوقدت فصارت نارًا، فيقع التوعد بتسجير النار، وتسجير البحار، وخصت سورة الانفطار بـ ﴿فُجِّرَتْ﴾ موافقة لقوله: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (٢)﴾، لأن في كلٍّ من تساقط الكواكب، وسيلان المياه على وجه الأرض، وبعثرة القبور؛ أي: قلب ترابها مزايلة الشيء عن مكانها.
٧ - وبعد أن عدد ما يحدث من مقدمات الفناء، وبطلان الحياة في الأرض، وامتناع المعيشة فيها.. أخذ يذكر ما يكون بعد ذلك من البعث والنشور، فقال: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ﴾ الظاهر: نفوس الإنسان، ويحتمل أن تعم الجن أيضًا، كما في بعض التفاسير. ﴿زُوِّجَتْ﴾ التزويج: جعل أحد زوجًا لآخر، وهو يقتضي المقارنة؛ أي: قرنت الأرواح بأجسادها بأن ردت إليها حين النشأة الآخرة، قاله عكرمة والضحاك والشعبي. وفي (٣) هذا إيماء إلى أن النفوس كانت باقية من حين الموت إلى حين المعاد، فبعد أن كانت منفردة عن البدن.. تعود إليه، أو قرنت كل نفس (٤) بشكلها، وبمن كان في طبقتها في الخير والشر، فيضم الصالح إلى الصالح في الجنة، ويضم رجل السوء إلى رجل السوء في النار، أو قرنت بكتابها أو بعملها، فالنفوس المتمردة زوجت بأعمالها السيئة، والمطمئنة بأعمالها الحسنة، أو نفوس المؤمنين بحور العين، ونفوس الكفرة بالشياطين، وقيل: قرن كل رجل إلى من كان يلازمه من ملك أو سلطان، كما في قوله تعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾، أو قرن كل عابد بمعبوده من دون الله تعالى، أو قرن الغاوي بمن أغواه من شيطان أو إنسان، وقرن المطيع بمن دعاه إلى الطاعة من الأنبياء والمؤمنين.
وقرأ الجمهور: بواو مشددة، وقرأ عاصم في رواية: ﴿زووجت﴾ على وزن
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.
(٤) المراغي.