من سأل يسيل، وذلك على لغة من قال سأل بغير همزة. وقرأ أبو جعفر بشد الياء، لأن الموؤودة اسم جنس، فناسب التكثير باعتبار الأشخاص. وقرأ ابن مسعود وعلي وابن عباس وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد: ﴿سألت﴾ مبنيًا للفاعل ﴿قتلت﴾ بسكون اللام وضم التاء حكايةً لكلامها حين سألت، وعن أبي وابن مسعود أيضًا والربيع بن خيثم وابن يعمر ﴿سألت﴾ مبنيًا للفاعل، ﴿بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (٩)﴾ مبنيًا للمفعول بتاء التأنيث فيهما إخبارًا عنها، ولو حكي كلامها.. لكان قتلت بضم التاء، وفي مصحف أبي: ﴿وإذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلتني﴾. ومعنى: سألت على قراءة البناء للفاعل: أن المقتولة تتعلق بأبيها يوم القيامة، فتقول: بأي ذنب قتلتني، فلا يكون له عذر، قاله ابن عباس، وروى عكرمة عن ابن عباس: عن النبي - ﷺ - قال: "إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقًا ولدها بثدييها، ملطخًا بدمائه، فيقول: يا رب هذه أمي، وهذه قتلتني".
١٠ - ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ﴾؛ أي: صحف (١) الأعمال ﴿نُشِرَتْ﴾؛ أي: فتحت للحساب، فإنها تطوى عند الموت، وتنشر عند الحساب؛ أي: تفتح فيعطاها الإنسان منشورةً بأيمانهم وشمائلهم، فيقف على ما فيها، وتحصى عليه جميع أعماله، فيقول: مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله - ﷺ - قال: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة"، فقلت يا رسول الله: فكيف بالنساء؟ قال: "شغل الناس يا أم سلمة"، قلت: وما شغلهم؟ قال: "نشر الصحف فيها مثاقيل الذر، ومثاقيل الخردل". ونقل الزمخشري قول المرشد بن وداعة قال: إذا كان يوم القيامة.. تطايرت الصحف من تحت العرش، فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية، وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم؛ أي: مكتوب فيها ذلك، وهي صحف غير صحف الأعمال.
وقرأ أبو رجاء (٢)، وقتادة والحسن والأعرج وشيبة وأبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم ﴿نُشِرَتْ﴾ بتخفيف الشين، وباقي السبعة: بتشديدها.
والمعنى (٣): أي وإذا صحف الأعمال ظهرت للعاملين في موقف الحساب، حتى لا يرتابوا فيها، ولا ينبغي أن نبحث عن تلك الصحف؛ لنعلم أهي على مثال
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.