في "عين المعانى": لخنوسها في مجراها، واستتارها في كناسها؛ أي: في موضع استتارها فيه، كما تكنس الظباء. انتهى. من كنس الوحش - من باب جلس - إذا دخل كناسه، وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر، وقيل: جميع الكواكب تخنس بالنهار، فتغيب عن العيون، وتكنس بالليل؛ أي: تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها، وقيل: المراد (١) بها: بقر الوحش؛ لأنها تتصف بالخنس وبالجوار وبالكنس. وقال عكرمة: الخنس البقر، والكنس الظباء، فهى تخنس إذا رأت الإنسان، وتنقبض وتتأخر وتدخل كناسها. وقيل: هي الملائكة، والأول أولى لذكر الليل والصبح بعد هذا.
ووجه تخصيص هذه الخمسة بالذكر من بين سائر النجوم: أنها تستقبل الشمس، وتقطع المجرة؛ أي: الفلك. وقال في "الصحاح": الخنس: الكواكب كلها؛ لأنها تخنس بالنهار فتغيب عن العيون، وتكنس بالليل؛ أي: تطلع في أماكنها كالوحش في كنسها، وقد أقسم بها سبحانه لما في حركتها وظهورها طورًا، واختفائها طورًا آخر من الدلائل علي قدرة مصرفها، وبديع صنعه، وإحكام نظامه، ولله سبحانه وتعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته من حيوان أو جماد، وإن لم يُعلم وجه الحكمة في ذلك، أما العبد.. فليس له ذلك، إذ لا يجوز له أن يقسم إلا بالله تعالى.
١٧ - ﴿وَاللَّيْلِ﴾ معطوف على ﴿الْخُنَّسِ﴾، ﴿إِذَا عَسْعَسَ﴾؛ أي: أدبر (٢) ظلامه، لأن إقبال الصبح يكون بإدبار الليل، كما قال في "الوسيط": لما كان طلوع الصبح متصلًا بإدبار الليل.. كان المناسب أن يفسر عسعس بأدبر؛ ليكون التعاقب في الذكر على حسب التعاقب في الوجود. انتهى. أو أقبل، فإنه من الأضداد كذلك سعسع، وذلك في مبدأ الليل، وهذا المعنى أنسب لمراعاة المقابلة مع قرينه، وقال المبرد: عسعس الليل: أقبل أو أدبر، وهو من الأضداد، والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد، وهو ابتداء الظلام في أوله، وإدباره في آخره.
١٨ - ﴿وَالصُّبْحِ﴾ معطوف عليه ﴿إِذَا تَنَفَّسَ﴾، في: أضاء وأشرق، والعامل في ﴿إِذَا﴾ معنى القسم، و ﴿إِذَا﴾ وما بعدها في موضع الحال؛ أي: وأقسم بالليل مدبرًا،
(٢) روح البيان.