وبالصبح مضيئًا، يقال: تنفس الصبح إذا تبلج؛ أي: أسفر وأضاء. جعل تنفس الصبح عبارةً عن طلوعه وانبساطه تحت ضوئه، بحيث زال معه عسعسة الليل، وهي الغبرة الحاصلة في آخره، والنفس في الأصل: ريح مخصوص يروح القلب ويفرج عنه بهبوبه عليه.
والمعنى (١): أي وأقسم بالليل إذا أدبر وولى، وفي إدباره زوال الغمة التي تغمر كثيرًا من الأحياء إذا ما دهمها الليل، وخيم عليها بظلامه المرهب المخيف، فإذا انجابت الظلمة وانحسر الليل وأدبر.. ارتاحت النفوس الخائفة، وتنفست باستقبال فجر جديد ويوم جديد، وأقسم بالصبح إذا أسفر وأضاء وظهر نوره في الوجود، وفي انشقاق الفجر وانبلاج ضوئه، وانفلاق صبحه بشرى للأنفس البشرية بحياة جديدة في نهار جديد، إذ تنطلق الإرادات لتحصيل الرغبات، وسد الحاجات، واستدراك ما فات، والاستعداد لما هو آت، بعملها الجديد في جنات معروشات، قال الزمخشري: إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم، فجعل ذلك نفسًا له على سبيل المجاز كما سيأتي في مبحث البلاغة،
١٩ - ثم ذكر المحلوف عليه فقال: ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: (٢) إن هذا القرآن الكريم الناطق بما ذكر من الدواهي الهائلة، فالضمير للقرآن، وإن لم يجر له ذكر للعلم به، أو إن ما أخبركم به محمد - ﷺ - من أمر الساعة على ما ذكر في هذه السورة وغيرها. ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ﴾ عظيم، وسفير ﴿كَرِيمٍ﴾ بين الله سبحانه وبين رسله بسر وحيه هو جبريل عليه السلام، أتاه به من عند الله سبحانه إلى محمد - ﷺ -، ليس بكهانة ولا اختلاق من عند محمد - ﷺ -، بل هو قول نزل به جبريل وحيًا من ربه، فأضافه إلى جبريل الذي هو أمين وحيه، وهو في الحقيقة قول الله؛ لأنه جاء به من عند الله تعالى، فإسناده إليه باعتبار السببية الظاهرة في الإنزال والإيصال، ويدل على أن المراد بالرسول هو جبريل ما بعده من ذكر قوته ونحوها. قال السهيلي: ولا يجوز أن يراد بالرسول النبي - ﷺ -، وإن كان رسولًا كريمًا؛ لأن الآية نزلت في معرض الرد والتكذيب لمقالة الكفار الذين قالوا: إن محمدًا - ﷺ - تقوله، وهو قوله، فقال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)﴾ جبريل الأمين عليه السلام. ووصفه بـ ﴿رَسُولٍ﴾؛ لأنه رسول عن الله إلى الأنبياء، ثم وصف هذا
(٢) روح البيان.