وفي "الخلاصة": لو قرأ بالظاء مكان الضاد، أو بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد، وأما عند عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي، ومحمد بن سلمة، لا تفسد صلاته.
٢٥ - ثم نفى عنه فرية أخرى كانوا يتقولونها عليه، فقال: ﴿وَمَا هُوَ﴾؛ أي: وما هذا القرآن ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ﴾ من الشياطين المسترقة للسمع المرجومة بالشهب ﴿رَجِيمٍ﴾؛ أي: مطرود من رحمة الله تعالى، مرمي بالشهب. قال الكلبي: يقول: إن القرآن ليس بشعر ولا كهانة، كما قالت قريش. قال عطاء: يريد بالشيطان: الشيطان الأبيض الذي كان يأتي النبي - ﷺ - في صورة جبريل، يريد أن يفتنه، وهو الذي يأتي الأنبياء لافتتانهم.
والمعنى (١): أي وما هذا الذي يتكلم به محمد - ﷺ - بقول ألقاه الشيطان على لسانه حين خالط عقله، كما تزعمون، فإنه قد عرف بصحة العقل، وبالأمانة على الغيب، فلا يكون ما يحدِّث به من خبر الآخرة والجنة والنار من قول الشياطين.
وقد حكى الله سبحانه على الأمم جميعًا أنهم رموا أنبياءهم بالجنون، فقال: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)﴾،
٢٦ - ثم ذكر أنهم قوم قد ضلوا طريق التدبر، وجهلوا سبيل الحكمة، فقال: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)﴾ وهذا (٢) استضلال لهم فيما يسلكونه من أمر القرآن، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور أنه وحي مبين، وليس مما يقولون في شيء، كما تقولون لمن ترك الجادة بعد ظهورها: هذا الطريق الواضح، فأين تذهب؟ شبهت حالهم بحال من يترك الجادة، وهو معظم الطريق، ويتعسف إلى غير المسلك، فإنه يقال له: أين تذهب؟ استظلالًا له، وإنكارًا على تعسفه، فقيل لمن يقول في حق القرآن ما لا ينبغي بعد وضوح كونه وَحْيًا حقًا: أيَّ طريق تسلكون آمن من هذه الطريقة التي ظهرت حقيقتها، ووضحت استقامتها و ﴿أين﴾ ظرف مكان مبهم منصوب بـ ﴿تَذْهَبُونَ﴾، قال أبو البقاء: التقدير: إلى أين تذهبون؟ فحذف حرف الجر، ويجوز أن لا يصار إلى الحذف، بل إلى طريق التضمين، فكأنه قيل: أين تؤمون؟

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon