والمعنى (١): فأي سبيل تسلكونها، وقد سدت عليكم السبل، وأحاط بكم الحق من جميع الجوانب، وبطلت مفترياتكم، فلم يبق لكم سبيل تستطيعون الهرب منها.
٢٧ - ثم بين حقيقة القرآن، فقال: ﴿إِنْ هُوَ﴾: ﴿إِنْ﴾: نافية، والضمير عائد إلى القرآن؛ أي: ما هذا القرآن ﴿إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾؛ أي: موعظة وتذكير لهم، والمراد الإنس والجن بدلالة العقل، فإنهم المحتاجون إلى الوعظ والتذكير.
والمعنى: أي: وما هذا القرآن إلا عظة للخلق كافة، يتذكرون بها ما غرز في طباعهم من حب الخير، وإنما أنساهم ذكره ما طرأ عليهم بمقتضى الإلف والعادة من ملكات السوء التي تحدثها أمراض البيئة والمجتمع، والقدوة السيئة.
٢٨ - ثم بين أنه لا ينتفع بهذه النظم كل العالمين فقال: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ﴾ أيها المكلفون بالإيمان والطاعة، وهو (٢) بدل من ﴿العالمين﴾ بإعادة الجار، بدل البعض من الكل، ولا تخالف بين الأصل، المتبوع والفرع التابع؛ لأن الأول باعتبار الذات، والثاني باعتبار التبع. وقوله: ﴿أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ مفعول المشيئة؛ أي: لمن شاء منكم الاستقامة والثبات على الحق والإيمان والطاعة، وإبداله من ﴿العالمين﴾ مع أنه ذكر شامل لجميع المكلفين؛ لأنهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم، فكأنه مختص بهم، ولم يوعظ به غيرهم.
والمعنى (٣): أنه ذكر يتذكر به من وجه إرادته للاستقامة على جادة الحق والصواب، أما من انحرف عن ذلك.. فلا يؤثر فيه هذا الذكر، ولا يخرجه من غفلته.
والخلاصة: أن على مشيئة المكلف تتوقف الهداية، وقد فرض عليه أن يوجه فكره نحو الحق، ويطلبه ويجد في كسب الخير ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.
٢٩ - ثم رفع توهم أن إرادة الإنسان مستقلة في فعل ما يريد، وله الاختيار التام فيما يفعل، وهو منقطع العلاقة في إرادته من سلطان ربه، فقال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ﴾؛
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.