مع أنه لو تدبر في نفسه، وفي خلقه.. لوجد من شواهد ربوبية خالقه ما هو جدير بشكرانه، ومداومته على طاعته، وهو الذي خلقه فسواه، وجعله على أحسن صورة، وكمله بالعقل والفهم والتدبر في عواقب الأمور ومصايرها.
قوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر (١) أن من دلائل نعمه على الإنسان خلقه على أحسن صورة، وأن ذلك يدل على أن له حياةً أخرى غير هذه الحياة، فيها يجازى بما عمل من خير أو شر.. أعقب هذا ببيان أنه لا شيء يمنعه عن التصديق بهذا اليوم إلا العناد والتكذيب، فالشعور النفسي يوحي به، والدليل النقلي الذي أتى به الرسول يصدقه، والله لم يترك عملًا لعباده إلا أحصاه وحفظه، ليوفي كل عامل أجره، فقد وكل الكرام الكاتبين المطهرين عن الغلط والنسيان بكتابته وضبطه، ثم ذكر أن الناس في هذا اليوم فريقان: بررة مطيعون لربهم فيما به أمر وعنه نهى - وهؤلاء يتقلبون في النعيم - وفجرة يتركون أوامر الدين، وأولئك يكونون في دار العذاب والهوان، يقاسون حر النار، وأنه في هذا اليوم لا يجد المرء ما يعول عليه سوى ما قدمت يداه، فيجفوه الأولياء، ويخذله الشفعاء، ويتبرأ منه الأقرباء، فلا شفيع ولا نصير ولا وزير ولا مشير، والحكم لله وحده، وهو المهيمن على عباده، وبيده تصريف أمورهم، وهو الصادق في وعده، العدل الحكيم في وعيده، فلا مهرب لعامل مما أعدله من الجزاء على عمله.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ...﴾ الآية، سبب نزولها (٢): ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: نزلت في أبي بن خلف، والله أعلم.
وقد نقل البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الأسود بن شريف حين ضرب النبي - ﷺ -، لم يعاقب في الحالة الراهنة، فأنزل الله تعالى: ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ وورد أن النبي - ﷺ - لما تلا هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)﴾.. قال: "غره جهله".. وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في
(٢) لباب النقول.