ا. هـ من "البحر".
٤ - ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)﴾؛ أي: قلب ترابها، وأخرج ما فيها من الموتى، ولا يخالف (١) ما هنا ما سيأتي في العاديات، فإن البعثرة تجيء بمعنى الاستخراج أيضًا؛ أي: كالقلب، يقال: بعثر يبعثر بعثرةً - من باب دحرج - إذا قلب التراب، ونظيره لفظًا ومعنى بحثر.. يقال: بعثرت المتاع وبحثرته؛ أي: جعلت أسفله أعلاه، وجعل أسفل القبور أعلاها إنما هو بإخراج موتاها، وبعثرت الحوض وبحثرته إذا هدمته، وجعلت أعلاه أسفله، قال الفراء: ﴿بُعْثِرَتْ﴾؛ أي: أخرج ما في بطنها من الذهب والفضة، وذلك من أشراط الساعة أن تخرج الأرض ذهبها وفضتها. اهـ.
وهذان من أشراط الساعة متعلقان بالسفليات، فإنه قال: بعد تخريب السماء والكواكب يخرب كل ما على وجه الأرض بنفوذ بعض البحار في بعض، ثم يخرب نفس الأرض التي هي كالبناء بأن يقلبها ظهرًا لبطن، وبطنًا لظهر.
٥ - ثم ذكر سبحانه جواب ما تقدم، فقال: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾؛ أي: كل نفس برة كانت أو فاجرة كما مر في السورة السابقة، وفي "فتح الرحمن": ﴿نَفْسٌ﴾ هنا: اسم جنس، وإفرادها ليبين لذهن السامع حقارتها وضعفه عن منفعة ذاتها إلا من رحم الله تعالى، ﴿مَا قَدَّمَتْ﴾ في حياتها من عمل خير أو شر، فإن ﴿ما﴾ من ألفاظ العموم ﴿و﴾ ما ﴿أَخَّرَتْ﴾ من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده، وفي الحديث: "أيما داعٍ دعا إلى الهدى فاتبع.. فله مثل أجر من تبعه إلا أنه لا ينقص من أجورهم شيء، وأيما داعٍ دعا إلى الضلالة، فاتبع.. فله مثل أوزار من اتبعه إلا أنه لا ينقص من أوزارهم شيء" وقال قتادة: ما قدمت من معصية، وأخرت من طاعة، وقيل: ما قدم من فرض، وما أخر من فرض، وقيل: أول عمله وآخره.
فقوله: ﴿عَلِمَتْ...﴾ إلخ جواب ﴿إذا﴾ كما مر؛ أي: إذا وقعت هذه الأشياء وخربت الدنيا علمت كل نفس إلخ، لكن لا على أنها تعلمه عند البعث، بل عند نشر الصحف لما عرفت في السورة السابقة من أن المراد بها زمان واحد مبدأه