قلت: الأصل في أمثاله إثباته في المصحف، فلا يعدل عنه. ويروى (١) عن عيسى بن عمر وحمزة أنهما كانا يجعلان الضميرين توكيدًا لما في ﴿كالوا﴾ و ﴿وزنوا﴾ ويقفان عند الواوين وقيفة يبينان بها ما أرادا، ثم يقولان: ﴿هم يخسرون﴾؛ أي: إذا كالوا هم لغيرهم، أو وزنواهم لغيرهم.. ينقصون، وإثبات الألف قبل ﴿هم﴾ لو لم يكن معتادًا في زمان الصحابة.. لمنع من إثباتها في سائر الأعصار. اهـ من "المراح".
قال أبو عبيد (٢): والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين:
إحداهما: الخط، ولذلك كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين.. لكانتا كالواو، أو وزنوا بالألف.
والأخرى: أن يقال: كلتك، ووزنتك بمعنى: كلت لك، ووزنت لك، وهو كلام عربي، كما يقال: شكرتك وشكرت لك، وقيل: هو على حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف: المكيل والموزون؛ أي: وإذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا موزونهم ﴿يُخْسِرُونَ﴾، أي: ينقصون حقوق الناس مع أن وضع الكيل والوزن إنما هو للتسوية والتعديل، يقال: خسر الميزان وأخسره بمعنى، كقوله: ﴿وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ ولعل ذكر (٣) الكيل والوزن في صورة الإخسار، والاقتصار على الاكتيال في صورة الاستيفاء، بأن لم يقل: إذا اكتالوا على الناس أو اتزنوا، لما أنهم لم يكونوا متمكنين من الاحتيال عند الاتزان تمكنهم منه عند الكيل والوزن، كما قال في "الكشاف": كأن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة؛ لأنهم يزعزعون ويحتالون في الملء، وإذا أعطوا.. كالوا أو وزنوا؛ لتمكنهم من البخس في النوعين جميعًا. انتهى. ولأن التطفيف في الكيل يكون بشيء قليل لا يعبأ به في الأغلب، دون التطفيف في الوزن، فإن أدنى حيلة فيه يفضي إلى شيء كثير، ولأن ما يوزن أكثر قيمةً في كثير من الأحوال مما يكال، ويؤيده الاقتصار على التطفيف في الكيل في الحديث المذكور سابقًا، وعدم التعرض للمكيل والموزون في الصورتين؛ لأن مساق الكلام لبيان سوء معاملتهم في الأخذ والإعطاء، لا في

(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon