والخلاصة: أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان المسمى بالسجين، فعيل من السجن، وهو الحبس والتضييق؛ لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، وهذا لا ينافي في كونه اسمًا لجبٍّ في جهنم، أو لأسفل سبع أرضين مكان أرواح الكفار؛ لجواز الاشتراك في الاسم.
٨ - ثم ذكر ما يدل على تهويله وتعظيمه، فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (٨)﴾؛ أي: هو بحيث لا يبلغه دراية أحد، و ﴿مَا﴾ اسم (١) استفهام إنكاري مبتدأ، و ﴿أَدْرَاكَ﴾ خبره، و ﴿مَا سِجِّينٌ﴾ مبتدأ وخبر، و ﴿مَا﴾ استفهامية أيضًا، والجملة سادة مسد المفعول الثاني لـ ﴿أَدْرَاكَ﴾، والأول الكاف، والاستفهام الأول للإنكار، والثاني للتفخيم والتعظيم، والمعنى: ما أعلمك يا محمد عظمة سجين وفظاعته؛ أي: أنت لا تعلمه في الدنيا تفصيلًا، وإنما تعلمه في الآخرة، أو المراد: أنت لا تعلمه قبل نزول الوحي به عليك، وإنما علمته بالوحي. تأمل.
٩ - وقوله: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩)﴾ تفسير (٢) وبيان للكتاب المذكور في قوله: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ﴾ وليس تفسير السجين؛ أي: هو كتاب مرقوم؛ أي: مسطور بيِّن الكتابة، بحيث كل من نظر إليه يطلع على ما فيه بلا دقة نظر، وإمعان توجه، مكتوب فيه أعمالهم، مثبت عليهم كالرقم في الثوب، لا ينسى ولا يمحى حتى يجازون به، أو معلم يعلم من راه أنه لا خير فيه لأهاليه؛ أي: ذلك الكتاب مشتمل على علامة دالة على شقاوة صاحبه، وكونه من أصحاب النار، وكونه علامة الشر يستفاد من المقام؛ لأنه مقام التهويل، وقيل: الرقم: الختم بلغة حمير.
وقال القفال: قوله ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٩)﴾: ليس تفسير السجين، بل هو خبر ثانٍ لـ ﴿إِنَّ﴾، والمعنى: إن كتاب الفجار لفي سجين، وإنه كتاب مرقوم، وقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (٨)﴾ وقع معترضًا بين الخبرين.
وقصارى ما سلف (٣): إن للشر سجلًا وصحيفة دونت فيها أعمال الفجار، وهو كتاب مسطور بيَّن الكتابة، وهذا السجل يشتمل عليه السجل الكبير المسمى بسجين، كما تقول: إن كتاب حساب قرية كذا في السجل الفلاني المشتمل على
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.