أما من كان ميالًا إلى العدل، واقفًا عند ما حد الله لعباده في شريعته، وسننه في نظام الكون، فأيسر شيء عليه التصديق باليوم الآخر، وهو أعون له على ما تميل إليه نفسه.
١٣ - ﴿إِذَا تُتْلَى﴾ قرأ الجمهور (١): ﴿إذا﴾، والحسن: ﴿أئذا﴾ بهمزة الاستفهام التوبيخي، وقرأ الجمهور: ﴿تُتْلَى﴾ بتاء التأنيث، وأبو حيوة وابن مقسم وأبو السمال والأشهب العقيلي والسلمي بالياء التحتانية. ﴿عليه﴾؛ أي: على ذلك المعتدي ﴿آيَاتُنَا﴾ الناطقة بذلك ﴿قَالَ﴾ من فرط جهله وإعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: هي حكايات الأولين وأخبارهم الباطلة، وأحاديثهم الكاذبة. قال في "فتح الرحمن": هي الحكايات التي سطرت قديمًا، وهي جمع أسطورة بالضم، وإسطارة بالكسر، وهي الحديث الذي لا نظام له.
والمعنى: أي وإذا قرىء على هذا المعتدي الأثيم القرآن المنزل على محمد - ﷺ -.. أنكر كونه منزلًا من عند الله، وزعم أنه أخبار الأولين أخذها محمد من غيره من السابقين، ونحو الآية قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (٤) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٦)﴾.
وقد يكون المعنى (٢): إنها أباطيل ألقيت على آبائهم الأولين فكذبوها، ولم تجز عليهم، فلسنا أول من يكذب بها حتى تزعموا أن تكذيبنا بها يعتبر عجلةً منا، فإنا إنما تأسينا في تكذيبنا بها بآبائنا الأولين الذين سبقونا.
١٤ - ﴿كَلَّا﴾ ردع وزجر للمعتدي الأثيم، يقول الزور ويزعم أن القرآن أساطير الأولين عن ذلك القول الباطل، وتكذيب له فيه، ويجوز أن تكون ردعًا عن مجموع التكذيب.
ثم بيَّن السبب الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأولين، فقال: ﴿بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قرأ حفص (٣) عن عاصم: ﴿بَلْ﴾ بإظهار اللام مع
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.