من الحجاب والإهانة والحرمان من الرحمة والكرامة، فإن الحجاب، وإن كان من قبيل العذاب الروحاني، وهو أشد من العذاب الجسماني، لكن مجرد النجاة من النار أهون من العذاب؛ لأن في العذاب الحسي حصول العذابين لما لا يخفى.
والمعنى: أي وبعد أن يحجبوا في عرصات القيامة عن الدنو من ربهم، وإدراك أمانيهم التي كانوا يتمنونا، يقذف بهم في النار، ويصلون سعيرها، ويقاسون حرها.
١٧ - ثم أرشد إلى أنهم حينئذٍ يبكَّتون ويوبخون فوق ما بهم من الآلام، فقال: ﴿ثُمَّ يُقَالُ﴾ لهم توبيخًا وتقريعًا من جهة الزبانية، وإنما طوى ذكرهم؛ لأن المقصود ذكر القول لا القائل، مع أن فيه تعميمًا لاحتمال القائل، وبه يشتد الخوف؛ أي: تقول لهم خزنة جهنم توبيخًا لم: ﴿هَذَا﴾ العذاب، وهو مبتدأ، خبره قوله: ﴿الَّذِي كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿بِهِ﴾ متعلق بقوله: ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ فانظروه وذوقوه، وتقديمه لرعاية الفاصل لا للحصر، فإنهم كانوا يكذبون أحكامًا كثيرة.
والمعنى (١): أي هذا الذي عوقبتم به هو جزاء ما كنتم تكذبون به من أخبار الرسول الصادق، كزعمكم أنكم لن تبعثوا، وأن القرآن أساطير الأولين، وأن محمدًا ساحر أو كذاب، إلى نحو ذلك من مقالاتكم، والآن قد تبين لكم حقيقة أمركم، وعاينتم بانفسكم أن ما كان يقوله نبيكم هو الحق الذي لا شك فيه، وما أشد على الإنسان إذا أصابه مكروه أن يذكر - وهو يتألم - بأن وسائل نجاته. من مصابه كانت في متناول يديه، وقد أهملها وألقى بها وراءه ظهريًّا.
١٨ - وقوله ﴿كَلَّا﴾ ردع عما كانوا عليه بعد ردع، وزجر بعد زجر، والتكرير للتأكيد، وجملة قوله: ﴿إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ﴾؛ أي: إن الأعمال المكتوبة للأبرار على أن ﴿الكتابَ﴾ مصدر مضاف إلى مقدر. ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ جملة مستأنفة لبيان ما تمضنته ﴿كَلَّا﴾ ويجوز أن تكون ﴿كَلَّا﴾ بمعنى: حقًا، والأبرار هم المطيعون، وكتابهم صحائف حسناتهم؛ أي (٢): إن كتاب أعمال الأبرار لفي عليين؛ أي: لفي ديوان جامع لجميع أعمال الأبرار، فـ ﴿عِلِّيِّينَ﴾ علم لديوان الخير الذي دون فيه ما عملته

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon