الملائكة وصلحاء الثقلين، منقول من جمع عِلي فِعِّيلٌ، من العلو؛ للمبالغة فيه، سمي بذلك؛ إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعالي الدرجات في الجنة، وإما لأنه مرفوع في السماء السابعة حيث يسكن الكروبيون تكريمًا له وتعظيمًا.
وروى: أن الملائكة لتصعد بعمل العبد فيستقلونه، فإذا انتهوا إلى ما شاء الله من سلطانه.. أوحى إليهم؛ إنكم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، وإنه أخلص عمله، فاجعلوه في عليين، فقد غفرت له، وإنها لتصعد بعمل العبد، فيزكونه، فإذا انتهوا به إلى ما شاء الله. أوحى إليهم: أنتم الحفظة على عبدي، وأنا الرقيب على ما في قلبه، لانه لم يخلص في عمله، فاجعلوه في السجين. وفيه إشارة إلى أن الحفظة لا يطلعون على الإخلاص والرياء إلا بإطلاع الله تعالى.
ومعنى الآية (١): أي ليس الأمر كما توهمه أولئك الفجار من إنكار البعث، ومن أن كتاب الله أساطير الأولين، فإن كتاب أعمال الأبرار مودع في أعلى الأمكنة، بحيث يشهده المقربون من الملائكة تشريفًا لهم، وتعظيمًا لشأنهم، كما أن الغرض من وضع كتاب الفجار في أسفل السافلين إذلالهم وتحقير شأنهم، وبيان أنه لا يؤبه بهم، ولا يعني بأمرهم.
١٩ - ثم عظم شأن ﴿عِلِّيِّينَ﴾، وفخم أمره، فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (١٩)﴾؛ أي: وما أعلمك يا محمد أيُّ شيء عليون على جهة التفحيم والتعظيم لعليين؛ أي: هو خارج عن دائرة دراية الخلق،
٢٠ - ثم فسره وبين المراد منه، فقال: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ (٢٠)﴾؛ أي: هو (٢) كتاب مسطور بيِّن الكتابة، يقرأ بلا تكلف، أو معلم بعلامة تدل على سعادة صاحبه، وفوزه بنعيم دائم، وملك لا يبلى.
ولما كان عليون علمًا منقولًا من الجمع.. حكم عليه بالمفرد، وهو كتاب مرقوم، وأعرب بإعراب الجمع؛ حيث جر أولًا بـ ﴿في﴾، ورفع بالخبرية لما الاستفهامية؛ لكونه في صورة الجمع، وقيل: اسم مفرد على لفظ الجع كعشرين وأمثاله، فليس له واحد من لفظه،
٢١ - وجملة: ﴿يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (٢١)﴾ صفة ثانية لـ ﴿كِتَابٌ﴾؛ أي: يحضر ذلك الكتاب المرقوم الملائكة المقربون عند الله سبحانه،
(٢) روح البيان.