٢٥ - ثم ذكر ثالث الأوصاف، فقال: ﴿يُسْقَوْنَ﴾؛ أي: يسقى الأبرار في الجنة ﴿مِنْ رَحِيقٍ﴾؛ أي: من شراب خالص لا غش فيه، ولا ما يكرهه الطبع، ولا شيء يفسده، وأيضًا صافٍ من كدورة الخمار، وتغيير النكهة، وإيراث الصداع؛ أي: يسقون خمرًا لا غش فيها، ولا يصيب شاربها خمار، ولا يناله منها أذى، كما قال: ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧)﴾ وسقى: يتعدى إلى مفعولين، والأول هنا ﴿الواو﴾ القائم مقام الفاعل، والثاني ﴿مِنْ رَحِيقٍ﴾؛ لأن ﴿من﴾ تبعيضية، كأنه قيل: بعض رحيق، أو مقدر معلوم؛ أي: شرابًا كائنًا من رحيق مبتدأ منه، فـ ﴿من﴾ ابتدائية، و ﴿الرحيق﴾: صافي الشراب وخالصها ﴿مَخْتُومٍ﴾ إناؤه ومغطى رأسه؛ لئلا يدخله القذى بغطاء بيته
٢٦ - بقوله: ﴿خِتَامُهُ﴾، أي: ختام ذلك الشراب، وغطاؤه، أي: ما يختم ويطبع به ويغطى ﴿مِسْكٌ﴾ وهو طيب معروف؛ أي: مختوم أوانيه وأكوابه بالمسك مكان الطين، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته، وطيب رائحته. قال في "كشف الأسرار": ما ختم به مسك رطب ينطبع فيه الخاتم، أمر الله بالختم عليه إكرامًا لأصحابه، فختم ومنع أن يمسه قياس، أو تتناوله يد إلى أن يفك ختمه الأبرار، والأظهر: أنه تمثيل لكمال نفاسته، كما مر آنفًا؛ إذ الشيء النفيس يختم لا سيما إذا كان ما يختم به المسك بدل الطين. وقيل: ختام الشيء آخره وخاتمته، فمعنى ختامه مسك: أن الشارب إذا رفع فاه من آخر شربه.. وجد رائحة كرائحة المسك، أو وجد رائحة المسك؛ لكونه ممزوجًا به كالأشربة الممسكة في الدنيا، فإنه يوجد فيها رائحة المسك عند خاتمة الشرب، لا في أول زمان الملابسة بالشرب. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن الرحيق شراب أبيض مثل الفضة، يختمون به آخر شربهم، ولو أن رجلًا من أهل الدنيا أدخل فيه يده ثم أخرجها.. لم يبق ذو روح إلا وجد طيب ريحه. انتهى. وهذا النوع من الخمر غير النوع الآخر الذي يجري في الأنهار الذي أشار إليه سبحانه بقوله: ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾.
وقرأ الجمهور: ﴿خِتَامُهُ﴾؛ أي: خلطه ومزاجه، قاله محبد الله وعلقمة، وقال ابن عباس وابن جبير والحسن: معناه: ختامه؛ أي: رائحته عند خاتمة الشراب رائحة المسك، وقرأ علي والنخعي والضحاك وزيد بن علي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والكسائي: ﴿خاتمه﴾ بعد الخاء ألف وفتح التاء، وهذه بينة المعنى أنه يراد الطبع على الرحيق، وعن الضحاك وعيسى وأحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي: