﴿وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (٣٣)﴾، والجملة (١) حال من واو قالوا؛ أي: قالوا ذلك، والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله تعالى موكلين بهم، يحفظون عليهم أمورهم، ويهيمنون على أعمالهم، ويشهدون برشدهم وضلالهم، وإنما أمروا بإصلاح أنفسهم، وأي نفع لهم في تتبع أحوال غيرهم، وهذا تهكم بهم، وإشعار بأن ما اجترؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى. وقد جوِّز أن يكون ذلك من جملة قول المجرمين، كأنهم قالوا: إن هؤلاء لضالون، وما أرسلوا علينا حافظين إنكارًا لصدهم عن الشرك، ودعائهم إلى الإسلام، وإنما قيل نقلًا له بالمعنى.
والمعنى (٢): أي إن الله تعالى لم يرسل الكفار رقباء على المؤمنين، ولم يؤتهم سلطة محاسبتم على أفعالهم، وتعريف باطلها من صحيحها، فلا يسوغ لهم أن يعيبوا عليهم ما يعتقدونه ضلالًا بعقولهم الفاسدة، وإنما كلفهم أن ينظروا شؤون أنفسهم فيعدلوا منها ما اعوج، فإذا فعلوا ذلك.. قاموا بما يجب عليهم في هذه الحياة.
٣٤ - ثم شرع يذكر معاملة المؤمنين لهم يوم القيامة تسلية لهم على ما ينالهم منهم من أذى، وتقويةً لقلوبهم، وشدًا لعزائمهم على التذرع بالصبر، فقال: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ المراد بـ ﴿اليوم﴾: اليوم الآخر ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: المعهودون من الفقراء ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ المعهودين؛ أي: المستهزئين لهم، وهو الأظهر، وإن أمكن التعميم من الجانبين ﴿يَضْحَكُونَ﴾.
والمعنى: أن المؤمنين في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين، وغشيهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر، ورهقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه، يضحك الكفار منهم في الدنيا. قال (٣) بعض المفسرين: لعل الفاء في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ فاء الإفصاح، واقعة في جواب شرط مقدر؛ كأنه قيل: إذا عرفتم ما ذكر، وأردتم بيان حال المؤمنين مع الكفار في ذلك اليوم.. فأقول لكم: إن في ذلك اليوم يضحك المؤمنون من الكفار جزاءً وفاقًا، فاللام في ﴿اليوم﴾: لام العهد، وهو يوم القيامة، والظرف متعلق بـ ﴿يَضْحَكُونَ﴾، و ﴿الَّذِينَ﴾: مبتدأ،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon