السماء؛ أي: جعلت حقيقة حرية بالاستماع والانقياد، إذ هي مربوبة ومصنوعة له تعالى؛ أي: شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة القاهرة الربانية التي يتأتى بها كل مقدور، ولا يتخلف عنها أمر من الأمور، من قولهم: هو حقوق بكذا، وحقيق به، وقال الضحاك: وحقت؛ أي: أطاعت، وحق لها أن تطيع ربها؛ لأنه خلقها.
٣ - ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)﴾؛ أي: بسطت بإزالة جبالها وآكامها عن مقرها، وتسويتها بحيث صارت كالصحيفة الملساء، أو زيدت سعة وبسطة من أحد وعشرين جزءًا إلى تسعة وتسعين جزءًا، لوقوف الخلائق عليها للحساب، وإلا لم تسعهم، من مده: بمعنى: أمده؛ أي: زاده، وفي الحديث: "إذا كان يوم القيامة.. مد الله الأرض مد الأديم، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه"، يعني: لكثرة الخلائق فيها، وقوله: "مد الأديم"؛ لأن الأديم إذا مد زال عنه كل انثناء فيه واستوى، وفي بعض الروايات: "مد الأديم العكاظي"، قال في "القاموس": - هو كغراب - سوق بصحراء بين النخلة والطائف، كانت تقوم هلال ذي القعدة، وتستمر عشرين يومًا تجتمع قبائل العرب، فيتعاكظون؛ أي: يتفاخرون ويتناشدون، ومنه مد الأديم العكاظي. انتهى..
٤ - ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾؛ أي: رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز إلى ظاهرها، نظير قوله: ﴿وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)﴾، وهو من الإسناد المجازي، وإلا فالإلقاء والإخراج لله تعالى.
فإن قلت: إخراج الكنوز يكون وقت خروج الدجال لا يوم القيامة؟
قلت: يوم القيامة وقت متسع يجوز اعتباره من وقت خروجه ولو مجازًا؛ لأنه من أشراطه الكبرى، فيكون إخراج الكنوز عند قرب الساعة، وإخراج الموتى عند البعث ﴿وَتَخَلَّتْ﴾؛ أي: وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لا يبقى فيها شيء منه، كأنها تكلفت في ذلك أقصى جهدها، كما يقال: تكرم الكريم، وترحم الرحيم، إذا بلغا جهدهما في الكرم والرحمة، وتكلفا فوق ما في طبعهما.
٥ - ﴿وَأَذِنَتْ﴾ وانقادت ﴿لِرَبِّهَا﴾؛ أي: لأمر ربها في الإلقاء والتخلي. ﴿وَحُقَّتْ﴾؛ أي: جعلت حقيقة حرية بذلك الانقياد؛ أي: شأنها ذلك بالنسبة إلى القدرة الربانية، وذكره مرتين؛ لأن الأول متصل بالسماء، والثاني بالأرض، وإذا اتصل كل واحد بغير ما اتصل به