الآخر.. لم يكن تكرارًا، وجواب ﴿إذا﴾ محذوف تقديره: أي: وإذا وقعت هذه الأمور.. كان من الأهوال ما تقصر عن بيانه العبارة، وقيل: إن الجواب قوله: ﴿فَمُلَاقِيهِ﴾؛ أي: فأنت ملاقيه، وبه قال الأخفش، وقال المبرد: إن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا؛ أي: يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا فملاقيه إذا السماء انشقت. وقال المبرد أيضًا: إن الجواب قوله: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧)﴾، وبه قال الكسائي، والتقدير: إذا السماء انشقت، فمن أوتي كتابه بيمينه.. فحكمه كذا، وقيل: هو: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ على إضمار الفاء، وقيل إنه: يا أيها الإنسان على إضمار القول؛ أي: يقال له يا أيها الإنسان، وقيل: الجواب محذوف تقديره: بعثتم، أو لاقى كل إنسان عمله، وقيل: هو ما صرح به في سورة التكوير؛ أي: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (١٤)﴾.
وهذا كله على تقدير: أن ﴿إذا﴾ شرطية، وقيل ليست شرطية، بل هي مجردة عن معنى الشرط منصوبة بفعل محذوف؛ أي: اذكر يا محمد للناس قصة وقت انشقاق السماء، وقصة وقت مد الأرض، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته، والأول أولى وأوضح.
وحاصل معنى الآيات (١): إذا انشقت السماء لفساد تركيبها، واختلال نظامها حينما يريد الله سبحانه خراب هذا العالم بحدث من الأحداث، كأن يمر كوكب في سيره بالقرب من كوكب آخر، فيتجاذبان ويتصادمان، فيضطرب نظام العالم العلوي بأسره، ويحدث من ذلك غمام يظهر في مواضع متفرقة من هذا الفضاء الواسع.
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا﴾؛ أي: استمعت، وانقادت لتأثير قدرته، وفعلت فعل المطواع الذي إذا أمر أنصت وأذعن وامتئل ما أمر به، وفي الحديث: "ما أذن الله لشيء إذنه لنبي يتغنى بالقرآن". ﴿وَحُقَّتْ﴾؛ أي: وحق لها أن تمتثل؛ لأنها مخلوقة من مخلوقاته، وهي في قبضته، فإن أراد تبديد نظامها.. فعل، ولم يكن لها أن تعصي إرادته.
﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣)﴾؛ أي: وإذا اضطربت الأرض، ودكت جبالها،

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon