وتقطعت أوصالها، وفقدت ما بينها من التماسك، فليس لها هذا الاندماج المشاهد الآن، بل تمد مد الأديم العكاظي، كما روي عن ابن عباس: والأديم: الجلد، والعكاظي: المدبوغ في عكاظ. والمراد: أنه لا انشقاق فيها، ولا اعوجاج.
﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا﴾؛ أي: رمت ما في جوفها من الموتى والمعادن، وأخرجت كل ذلك إلى ظاهرها، ونحو هذا قوله تعالى: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَت الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢)﴾ وقوله: ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)﴾، وقوله: ﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ﴾. ﴿وَتَخَلَّتْ﴾؛ أي: خلت من جميع ما في جوفها، وربما قذفته الحركة العنيفة إلى ما يبعد عن سطحها، فيخلو منه باطن الأرض وظاهرها، وهي في ذلك خاضعة لأوامر ربها، منقادة لمشيئته.
﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٥)﴾؛ أي: واستمعت وأطاعت أوامره؛ لأنها في قبضة القدرة الإلهية تصرفها في الفناء، كما صرفتها في الابتداء. وجواب ﴿إذا﴾ الذي صدرت به السورة محذوفة، كما مر آنفًا؛ لإرادة التهويل على المخاطبين، فكأنه قيل: إذا كان الأمر كذا وكذا مما تقدم ذكره.. ترون جزاء ما عملتم من خير أو شر، فاكدحوا واجتهدوا لعمل ذلك اليوم تفوزوا بالنعيم.
وقصارى ذلك (١): وصف أحوال العالم يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأنه يكون على غير حاله التي هو عليها في هذه الحياة، فتبدل الأرض غير الأرض، والسموات غير السموات، ويبرز الناس للحساب على ما قدموا في حياتهم من عمل، فيجازيهم على الإحسان إحسانًا وعلى الإساءة سوءًا، وعلينا أن نؤمن بذلك كله، ونكل علم حقيقته ومعرفة كنهه إلى الله تعالى الذي لا يعجزه شي في الأرض ولا في السماء.
٦ - ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ﴾ المراد به: جنس الإنسان، فيشمل المؤمن والكافر، وقيل: هو الإنسان الكافر، والأول أولى لما سيأتي من التفصيل؛ أي: يا جنس الإنسان الشامل للمؤمن والكافر والعاصي، فالخطاب عام لكل مكلف على سبيل البدل، ويقال: هذا أبلغ من العموم؛ لأنه يقوم مقام التنصيص في النداء على مخاطبة كل

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon