عملك، ومبالغ في إدراك الغاية إلى أن تنتهي حياتك، وإن كنت لا تشعر بجدك، أو تشعر به، وتلهو وكل خطوة في عملك فهي في الحقيقة خطوة إلى أجلك، وهناك لقاء الله تعالى، فالموت يكشف عن الروح غطاء الغفلة، ويجلو لها وجه الحق، فتعرف من الله ما كانت تنكره، ويوم البعث يرتفع الالتباس، ويعرف كل عامل ما جر إليه عمله،
٧ - والناس حينئذٍ صنفان:
١ - ﴿فَأَمَّا مَنْ﴾ وهو المؤمن السعيد، و ﴿مَنْ﴾ موصولة، وهو تفصيل لما أجمل فيما قبله ﴿أُوتِيَ﴾ وأعطي؛ أي: يؤتى، وعبر بالماضي لتحققه. ﴿كِتَابَهُ﴾ المكتوب فيه أعماله التي كدح في كسبها ﴿بِيَمِينِهِ﴾؛ لكون كدحه بالسعي فيما يكتبه كاتب اليمين.
والحكمة في الكتابة مع أن الله سبحانه لا يخفى عليه شيء (١): أن المكلف إذا علم أن أعماله تكتب وتعرض على رؤوس الأشهاد.. كان أزجر عن المعاصي، وأن العبد إذا وثق بلطف سيده، واعتمد على عفوه وستره.. لم يحتشم احتشامه من خدمة المطلعين عليه.
٨ - ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ﴾ يوم القيامة بعد مدة مقدرة على ما تقتضيه الحكمة ﴿حِسَابًا يَسِيرًا﴾؛ أي: سهلًا لا مناقشة فيه، ولا اعتراض بما يسوءه ويشق عليه، كما يناقش أصحاب الشمال. والحساب: بمعنى المحاسبة، والمراد به: عد أعمال العباد، وإظهارها للمجازاة، وعن الصديقة رضي الله عنها: هو - أي الحساب اليسير - أن يعرف ذنوبه ثم يتجاوز عنه. يعني: أن يعرض عليه أعماله، ويعرف أن الطاعة منها هذه، والمعصية هذه، ثم يثاب على الطاعة، ويتجاوز عن المعصية، فهذا هو الحساب اليسير؛ لأنه لا شدة على صاحبه ولا مناقشة، ولا يقال له: لم فعلت هذا؟، ولا يطالب بالعذر ولا بالحجة عليه، فانه متى طولب بذلك.. لم يجد عذرًا ولا حجةً، فيفتضح. قالوا إنَّ عصاة المؤمنين داخلة في هذا القسم، فقوله: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨)﴾ من وصف الكل بوصف البعض؛ أي: فالعصاة (٢)، وإن لم يكن لهم حساب يسير بالنسبة إلى المطيعين، لكن حسابهم كالعرض بالنسبة إلى مناقشة أصحاب الشمال، فأصحاب اليمين شاملة لهم، وقد
(٢) روح البيان.