كما بني ويصلى المشدد للمفعول من المتعدي بالتضعيف.
والمعنى (١): أي وأما الذين أكثروا من ارتكاب الجرائم، واجتراح المعاصي، فيؤتون كتبهم بشمالهم من وراء ظهورهم، ومد اليسار إلى الكتاب دليل الكراهة، وأظهر في الدلالة على الكراهة، والنفور: أن يستدبره ويعرض عنه، فيكون من وراء ظهره.
وقصارى ما سلف: أن من عرض عليه كتابه، وقدم إليه ليأخذه، فاندفع إليه بعزيمة صادقة لشعوره بأنه مستودع الصالحات، وسجل البر والكرامات، فشأنه: كذا وكذا، ومن قدم إليه كتابه، وعرض عليه عمله، فخزيت نفسه وخارت عزيمته، فمد إليه يساره، أو أعرض عنه، فولاه ظهره لشعوره بأنه ديوان السيئات، وسجين المخازي، فأمره: كيت وكيت، يرشد إلى ذلك ما ورد من التفصيل في سورة الحاقة: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ إلخ.
والخلاصة: أن إيتاء الكتاب باليمين أو باليسار، أو من وراء الظهر تصوير لحال المطلع على أعماله في ذلك اليوم، فمن الناس من إذا كشف له عمله.. ابتهج واستبشر، وتناول كتابه بيمينه، ومنهم من إذا تكشفت له سوابق أعماله.. عبس وبسر، وأعرض عنها وأدبر، وتمنى لو لم تكشف له، وتناولها باليسار، أو من وراء الظهر، وحينئذٍ يدعو: واثبوراه؛ أي: يا هلاك أقبل، فإني لا أريد أن أبقى حيًا، علمًا منه بأن ذلك داعٍ إلى طول العذاب، وأنه سيدخل النار ويقاسي سعيرها.
١٣ - ثم ذكر سبحانه سببين في استحقاقه للعذاب في الآخرة، فقال:
١ - ﴿إِنَّهُ﴾؛ أي: لأن ذلك المعطى كتابه وراء ظهره، فالجملة (٢) مستأنفة مسوقة لبيان علة ما قبلها ﴿كَانَ﴾ في حياته الدنيا ﴿فِي أَهْلِهِ﴾؛ أي: فيما بين أهله وعشيرته أو معهم، على أنهم جميعًا كانوا مسرورين، كما يقال: جاءني فلان في جماعة، أي: معهم ﴿مَسْرُورًا﴾؛ أي: فرحًا بطرًا، لا يفكر في أمور الآخرة، ويقدم على المعاصي ظنًا منه أن لذاتها لا توجب الحسرة، ولا تورث التردي في نار

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon