الجحيم، كديدن الفجار الذين لا يخطر ببالهم أمور الآخرة، ولا يتفكرون في العواقب، كسنّة الصلحاء والمتقين، كما قال تعالى حكاية عنهم؛ ﴿إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾، ومن ثمَّ أبدله الله بهذا النعيم الزائل عذابًا لا ينقطع، وآلامًا لا تنفذ.
والحاصل: أنه كان الكافر في الدنيا فارغًا عن همِّ الآخرة، وكان له مزمار في قلبه، فجوزي بالغم الباقي، بخلاف المؤمن، فإنه كان له نائحة في قلبه، فجوزي بالسرور الدائم.
٢ - ١٤ ﴿إِنَّهُ ظَنَّ﴾؛ أي: تيقن، كما في تفسير الفاتحة للفناري، وقال في "فتح الرحمن" الظن هنا على بابه بمعنى الحسبان، لا الظن الذي بمعنى اليقين، وهو تعليل لسروره في الدنيا؛ أي: إن هذا الكافر ظن في الدنيا. ﴿أَن﴾ مخففة من الثقيلة سادة مع ما في حيزها مسد مفعولي ﴿ظَنَّ﴾ أو أحدهما على الخلاف المشهور؛ أي: ظن أن الشأن والحال ﴿لَنْ يَحُورَ﴾ هو؛ أي: لن يرجع إلى ربه بالبعث.
والمعنى (١): أنه ظن أن لن يرجع إلى ربه، وأنه لن يبعث الخلق لحسابهم على ما قدموا، ولو علم أن الله يبدل سروره حزنًا وغمًا.. لأقلع عما هو فيه، ولترك هذا السرور العاجل السريع الفناء، وطلب من السرور ما يبقى ما بقيت الجنة التي لا يفنى نعيمها، ولا يزول سرور أهلها.
وفي الآية (٢) إيماء إلى أن المسخرين لشهواتهم، الساعين وراء لذاتهم، ليسوا بظانين فضلًا عن أن يكونوا مستيقنين بأنهم يرجعون إلى ربهم ليحاسبهم، بل الراجح عندهم: أنهم لا يحاسبون، وأن الله سبحانه مخلف وعده، وهذا هو الذي ينسيهم ذكره عند كل جرم يجرمونه، فهم وإن كانوا يزعمون الإيمان بالله، وبوعده ووعيده، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم،
١٥ - ثم رد عليه ظنه الخاطىء، فقال: ﴿بَلَى﴾ ايجاب لما بعد ﴿لَن﴾؛ أي: بلى ليحورن ألبتة، وليس الأمر كما يظن ﴿إِنَّ رَبَّهُ﴾ الذي خلقه ﴿كان به﴾، وبأعماله الموجبة للجزاء، والجار متعلق بقوله: ﴿بَصِيرًا﴾ بحيث لا يخفى منها خافية، فلا بد من رجعه وحسابه وجزائه عليها حتمًا؛ إذ لا
(٢) المراغي.