منتشرًا بالنهار، وقيل: يجوز أن يكون المراد بما جمعه الليل: العباد المجتهدين بالليل؛ لأنه تعالى قد مدح المستغفرين بالأسحار، والأول أولى.
١٨ - ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)﴾؛ أي: اجتمع وتكامل وتم بدرًا ليلة أربع عشرة. قال في "فتح الرحمن": امتلأ في الليالي البيض. وقال الفراء؛ امتلاؤه، واجتماعه، واستواؤه ليلة ثالث عشر ورابع عشر إلى ست عشرة. أقسم (١) سبحانه بهذه الأشياء؛ لأن في كل منها تحولًا من حال إلى آخر، فناسبت المقسم عليها، يعني: أن الله تعالى أقسم بتغيرات واقعة في الأفلاك والعناصر على تغير أحوال الخلق، فإن الشفق حالة مخالفة لما قبلها، وهو ضوء النهار، ولما بعدها، وهو ظلمة الليل، وكذا قوله: ﴿وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (١٧)﴾ فإنه يدل على حدوث ظلمة بعد نور، وعلى تغير أحوال الحيوانات من اليقظة إلى النوم، وكذا قوله: ﴿وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨)﴾ فإنه يدل على حصول كمال القمر بعد أن كان ناقصًا،
١٩ - وقوله: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا﴾ مفعول ﴿تَرْكَبُنَّ﴾ ﴿عَنْ طَبَقٍ﴾؛ أي: بعد طبق، جواب القسم؛ أي: لتلاقن أيها العباد حالًا بعد حال، كل واحدة منها مطابقة لأختها في الشدة والفظاعة، يقال: ما هذا يطبق هذا؛ أي: لا يطابقه. قال الراغب: المطابقة من الأسماء المتضايقة، وهو أن يجعل الشيء فوق آخر بقدره، ومنه: طابقت النعل بالنعل، ثم يستعمل الطباق في الشيء الذي يكون فوق الآخر تارة، وفيما يوافق غيره أخرى. وقيل: الطبق: جمع طبقة، وهي المرتبة، وهو الأوفق للركوب المنبىء عن الاعتلاء.
والمعنى: لتركبن أحوالًا بعد أحوال هي طبقات في الشدة، بعضها أرفع من بعض، وهي الموت وما بعده من مواطن القيامة ودواهيها إلى حين المستقر في إحدى الدارين.
وقرأ عمر وعبد الله وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى والأخوان - حمزة والكسائي - وابن كثير: ﴿لتركبَن﴾ بتاء الخطاب وفتح الباء، فقيل: هو خطاب للرسول الله - ﷺ -؛ أي: لتركبن يا محمد حالًا بعد حال في معالجة الكفار، فقال ابن عباس: لتركبن يا محمد سماعًا بعد سماع، وقيل: عدة له بالنصر؛ أي: لتركبن أمر العرب قبيلًا بعد