المؤمنين، وقريش تصفق فوق رؤوسهم، وتصفر استهزاء، وبه احتج أبو حنيفة على وجوب السجدة، فإن الذم على ترك الشيء يدل على وجوب ذلك الشيء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - ﷺ - سجد فيها، وكذا الخلفاء، وهي الثالثة عشرة من أربع عشرة سجدة تجب عندها السجدة عند الحنفية على التالي والسامع، سواء قصده أم لا، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس في المفصل سجدة، وكذا قال الحسن، وهي غير واجبة عند الأئمة الثلاثة، ثم إن الأئمة الثلاثة يسجدون عند قوله: ﴿لَا يَسْجُدُونَ﴾، والإمام مالك: عند آخر السورة.
وحاصل معنى قوله: ﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٢٠)﴾؛ أي: فأي (١) شيء حدث لهم حتى جحدوا قدرة الله، وأنكروا صحة البعث، وكل شيء أمامهم ينادي بباهر قدرته، ويرشد إلي عظيم سلطانه.
وقصارى ذلك: أنه لا شبهة لهم يصح أن يستمسكوا بها على إنكار البعث والحساب.
ومعنى قوله: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١)﴾؛ أي: وما حدث لهم حتى صاروا إذا قرىء عليهم القرآن لا يعترفون بإعجازه، وبلوغه الغاية التي لا يمكن البشر أن يصلوا إليها، فأمرهم عجب، فهم أهل اللسان وأرباب البلاغة والبراعة، وذا يقتضي أن يعلموا إعجازه، ومتى علموه.. استكانوا وخضعوا له، وأدركوا صحة نبوة الرسول الذي جاء به، ووجبت عليهم طاعته.
٢٢ - ثم بين السبب في عدم إيمانهم به، وانقيادهم له، فقال: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢)﴾ بألقرآن الناطق بما ذكر من أحوال القيامة وأهوالها، مع تحقق موجبات تصديقه، ولذلك لا يخضعون عند تلاوته، وهذا من (٢) وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بالكفر، والإشعار بما هو العلة في عدم خضوعهم للقرآن، وفي بعض التفاسير: إن المراد: التكذيب بالقلب بمعنى عدم التصديق، فيكون الإضراب هنا إضراب ترق، فإنَّ عدم الإيمان يكون بالشك أيضًا، والتكذيب من شدة الكفر، وقوة الإنكار الحاملة على الإضراب، وقال هنا: ﴿يُكَذِّبُونَ﴾، وفي سورة

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon