حضور، وفي هذا إيماء إلى قسوة قلوبهم، وتمكن الكفر منهم إلى ما فيه من إشارة إلى قوة اصطبار المؤمنين، وشدة جلدهم، ورباط جأشهم، واستمساكهم بدينهم. أو المعنى (١): أي: يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن أحدًا منهم لم يقصر فيما أمر به، وفوض إليه من التعذيب بالإحراق من غير ترحم وإشفاق. أو المعنى: أنهم شهود يشهدون بما فعلوا بالمؤمنين يوم القيامة، يعني: تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
قال الزجاج: أعلم الله سبحانه قصة قوم بلغت بصيرتهم حقيقة إيمانهم إلى أن صبروا على أن يحرقوا بالنار في الله، هذا هو الذي يستدعيه النظم الكريم، وتنطبق به الروايات المشهورة، وقد ذهب بعضهم إلى أن الجبابرة لما ألقوا المؤمنين في النار، وهم قعود حولها.. علقت بهم النار، وفي رواية: ارتفعت فوقهم أربعين ذراعًا، فوقعت عليهم فأحرقتهم، ونجى الله المؤمنين سالمين، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، وقبض الله أرواحهم قبل أن تمسهم النار، كما فعل ذلك بآسية امرأة فرعون على ما سبق، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾؛ أي: لهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا.
٨ - ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ﴾؛ أي: وما أنكر أولئك الجبابرة على المؤمنين، وما عابوا عليهم، وما كرهوا منهم ﴿إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ﴾؛ أي: إلا إيمانهم وتصديقهم بوحدانية الله سبحانه وعبادتهم له ﴿الْعَزِيزِ﴾؛ أي: الغالب على كل متكبر عال ﴿الْحَمِيدِ﴾؛ أي: المحمود في كل حال. قال الزجاج: ما أنكروا عليهم ذنبًا إلا إيمانهم بالله، والاستثناء (٢) فيه مفرغ مفصح عن براءتهم مما يعاب وينكر بالكلية، على منهاج قوله:
وَلَا عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ ضُيُوْفَهُمْ | تُلَامُ بِنِسْيَانِ الأَحِبَّةِ وَالْوَطَنْ |
وَلَا عَيْبَ فِيْهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوْفَهُمْ | بِهِنَّ فُلُوْلٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ |
(٢) روح البيان.