وغير حقيق بالإنكار، كما أن ما جعله الشاعر عيبًا ليس عيبًا، ولا ينبغي أن يعد عيبًا، ولا يضر ذلك كون الاستثناء في قول الشاعر مبنيًا على الادعاء بخلاف ما في نظم القرآن، فإنهم أنكروا الإيمان حقيقة، وعبر بلفظ المضارع في قوله: ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا﴾ مع أن الإيمان وجد منهم في الماضي؛ لإرادة الاستمرار والدوام عليه، فإنهم ما عذبوهم لإيمانهم في الماضي، بل لدوامهم عليه في الآتي، ولو كفروا في المستقبل لم يعذبوا على ما مضى، فكأنه قيل: إلا أن يستمروا على إيمانهم، وأما قوله تعالى حكاية عن سحرة فرعون: ﴿وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ فلأن مجرد إيمان السحرة بموسى عليه السلام كان منكرًا واجب الانتقام عندهم.
وقرأ الجمهور (١): ﴿نَقَمُوا﴾ بفتح القاف، وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة وابن أبي عبلة بكسرها، والفصيح: الفتح.
والمعنى (٢): أي إن هؤلاء الكفار لم يعاقبوا المؤمنين إلا على شيء لا يجوز العقاب عليه، بل ينبغي لكل أحد أن يكون عليه، ويدعو غيره إلى التمسك به، وهو الإيمان بالله تعالى العزيز الغالب الذي يخشى عقابه، وتهاب صولته، المنعم الذي يرجى ثوابه وترتقب نعماؤه.
٩ - ثم أكد استحقاقه للعزة والحمد بقوله: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: لأنه مالك الأمر كله فيهما، فلا مفر لأولئك الظالمين من سلطانه، ومن كان هذا شأنه.. فهو حقيق بأن يؤمن به ويوحد، ووصفه (٣) تعالى بكونه عزيزًا غالبًا يخشى عقابه، حميدًا منعمًا يرجى ثوابه، وتأكيد ذلك بقوله: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ للإشعار بمناط إيمانهم، وأخر هذه الصفة - أعني: صفة الملك -؛ لأن الملك التام لا يحصل إلا عند حصول الكمال في القدرة التي دل عليها ﴿الْعَزِيزِ﴾، وفي العلم الذي دل عليه ﴿الْحَمِيدِ﴾؛ لأن من لا يكون تام العلم لا يمكن أن يفعل الأفعال الحميدة.
وفي "كشف الأسرار": وإنما وصف ذاته بهذه الصفات.. ليعلم أنه لم يمهل الكفار لأجل أنه غير قادر، لكنه أراد أن يبلغ بهؤلاء المؤمنين مبلغًا من الثواب لم

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon