قال الإِمام (١): إنما قال: ﴿ذَلِكَ الْفَوْزُ﴾، ولم يقل: تلك؛ لدقيقة لطيفة، وهي أن قوله: ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى إخبار الله سبحانه بحصول هذه الجنات، ولو قال: تلك.. لكانت الإشارة إلى نفس الجنات، وإخبار الله تعالى عن ذلك يدل على كونه راضيًا، و ﴿الْفَوْزُ الْكَبِيرُ﴾: هو رضي الله سبحانه، لا حصول الجنة. يقول الفقير: عندي أن حصول الجنات هو الفوز الكبير، وحصول رضي الله سبحانه هو الفوز الأكبر، كما قال تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾، وإنما لم يقل تلك لأن نفس الجنات من حيث هي ليست بفوزه، وإنما الفوز حصولها ودخولها.
ومعنى الآية (٢): أي إن الذين أقروا بوحدانية الله تعالى، وعملوا صالح الأعمال ائتمارًا بأوامره، وكفوا عن نواهيه ابتغاء رضوانه، لهم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار، وهذا هو الظفر الكبير لهم، كفاء ما قدموا من إيمان وطاعة لربهم.
١٢ - وجملة قوله: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢)﴾ مستأنفة لخطاب النبي - ﷺ -، مبينة لما عند الله تعالى من الجزاء لمن عصاه، والمغفرة لمن أطاعه، إيذانًا بأن لكفار قومه نصيبًا موفورًا من مضمونه، كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره - ﷺ -، والبطش: تناول الشيء بصولة، والأخذ بعنف وشدة، يقال: يد باطشة. وحيث وصف البطش بالشدة فقد تضاعف وتفاقم، وهو بطشه بالجبابرة والظلمة، وأخذه إياهم بالعذاب والانتقام، وإن كان بعد إمهال، فإنه عن حكمة لا عن عجز؛ أي: إن أخذ ربك للظلمة والجبابرة لشديد، ومثل هذا قوله: ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾.
والمعنى (٣): إن انتقامه من الجبابرة والظلمة، وأخذه إياهم بالعقوبة.. لهو الغاية في الشدة، والنهاية في الأذى والألم، وفي هذا إرهاب لقريش ومن معها، وتعزية لرسول الله - ﷺ - ولمن تبعه.
١٣ - وقد زاد سبحانه أمر قدرته توكيدًا فقال: ﴿إِنَّهُ هُوَ﴾ وحده ﴿يُبْدِئُ﴾، وقرىء ﴿يبدأ﴾ من بدأ ثلاثيًا، حكاه أبو زيد؛ أي: يبدأ الخلق، ويخرجهم من العدم إلى
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.