٤ - ثم ذكر سبحانه المقسم عليه، فقال: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)﴾ والجملة جواب (١) القسم وما بينهما اعتراض جيء به لتأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها، و ﴿إِنْ﴾ نافية، و ﴿لَمَّا﴾ بمعنى: إلا. قال الزجاج: استعملت ﴿لما﴾ في موضع ﴿إلا﴾ في موضعين:
أحدهما: بعد إن النافية.
والآخر: في باب القسم، تقول: سألتك لما فعلت بمعنى: إلا فعلت، وعدي الحفظ بـ ﴿على﴾؛ لتضمنه معنى الهيمنة، والمعنى: ما كل نفس من النفوس الطيبة والخبيثة إنسانية أو جنية إلا عليها حافظ مهيمن رقيب؛ وهو الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾.
والخلاصة: أي أحلف (٢) بالسماء وبالنجم الثاقب أن للنفوس رقيبًا يحفظها ويدبر شؤونها في جميع أطوار وجودها، حتى ينتهي أجلها، وذلك الحافظ والرقيب هو ربها المدبر لشؤونها، المصرف لأمورها في معاشها ومعادها.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿إنْ﴾: خفيفة، ﴿كُلُّ﴾: رفعًا، ﴿لما﴾ خفيفة فهي عند البصريين: مخففة من الثقيلة، و ﴿كُلُّ﴾؛ مبتدأ، واللام هي الداخلة للفرق بين إنْ النافية وإن المخففة، و ﴿ما﴾: زائدة، و ﴿حَافِظٌ﴾: خبر المبتدأ، و ﴿عَلَيْهَا﴾: متعلق به، والمعنى عليه: إنه أي: إن الشأن والحال كل نفس لعليها حافظ.
وعند الكوفيين: ﴿إن﴾: نافية، و ﴿اللام﴾: بمعنى إلا، و ﴿ما﴾: زائدة، و ﴿كُلُّ﴾ و ﴿حَافِظٌ﴾: مبتدأ وخبر، والمعنى عليه: ما كل نفس إلا عليها حافظ، والترجيح بين المذهبين مذكور في علم النحو.
وقرأ الحسن والأعرج وقتادة وعاصم وابن عامر وحمزة وأبو عمرو ونافع بخلاف عنهما: ﴿لَمَّا﴾ مشددة، وهي بمعنى: إلا، لغة مشهورة في هذيل وغيرهم، تقول العرب: أقسمت عليك لما فعلت كذا، أي: إلا فعلت، قاله الأخفش، فعلى هذه القراءة يتعين أن تكون ﴿إن﴾ نافية، والمعنى: ما كل نفس إلا عليها حافظ،
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.