فهو لا ينافي قادريته على غيره، والضمير في ﴿رَجْعِهِ﴾ عائد على ﴿الْإِنْسَانُ﴾، قال بعضهم: خلقه لإظهار قدرته، ثم رزقه لإظهار الكرم، ثم يميته لإظهار الجبروت، ثم يحييه لإظهار الثواب والعقاب.
والمعنى: أي إن الذي قدر على خلق الإنسان ابتداء من هذه المادة قادر على أن يرده حيًا بعد أن يموت بالبعث، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، وأصرح منهما قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾.
وقال مجاهد (١): على أن يرد الماء في الإحليل، وقال عكرمة والضحاك: على أن يرد الماء في الصلب، وقال مقاتل بن حيان: يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا ومن الصبا إلى النطفة، وقال ابن زيد: إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج لقادر، والأول أظهر، ورجحه ابن جرير والثعلبي والقرطبي.
٩ - ثم بين وقت المرجع فقال: ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩)﴾ ظرف لرجعه، ولا يضر الفصل بالأجنبي للتوسع في الظروف، وقيل: العامل في الظرف ﴿لَقَادِرٌ﴾، واعترض عليه بأنه يلزم عليه تخصيص القدرة بهذا اليوم، وقيل: العامل فيه مقدر؛ أي: يرجعه يوم تبلى السرائر، وقيل: العامل فيه مقدر، وهو اذكر، فيكون مفعولًا به. ومعنى ﴿تُبْلَى السَّرَائِرُ﴾: أي: تعرف وتكشف، والسرائر (٢): جمع سريرة بمعنى السر، وهي التي تكتم وتخفى؛ أي: يوم يتعرف فيه، ويتصفح ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها، وما أخفى من الأعماله، ويميز بين ما طاب منها وما خبث، والإبلاء: هو الابتلاء والاختبار، وإطلاق الإبلاء على الكشف والتمييز من قبيل إطلاق اسم السبب على المسبب؛ لأن الاختبار يكون للتعريف والتمييز، وابتلاء الله عباده بالأمر والنهي يكون لكشف ما علم منهم في الأزل من الطاعة أو العصيان. وقال بعضهم: المراد بالسرائر: الفرائض، كالصوم والصلاة والزكاة والغسل من الجنابة، فإنها سر بين العبد وبين ربه، ولو شاء العبد أن يقول: فعلت ذلك، ولم يفعله أمكنه، وإنما تظهر صحة تلك السرائر يوم القيامة. قال ابن عمر

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon