الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض، أو أرادوا بذلك التفاؤل ليرجع، ولذلك سموه: أوبًا؛ ليؤوب، فيكون المرجع مصدرًا من اللازم بمعنى الرجوع، لا من المتعدي. وقال الراغب: سمي المطر رجعًا لرد الهواء ما تناله من الماء. وقال الزجاج: الرجع: المطر؛ لأنه يجيء ويرجع ويتكرر، وفي "كشف الأسرار": لأنه يرجع كل عام ويتكرر، وقيل: الرجع: الشمس والقمر والنجوم، يرجعن في السماء، تطلع من ناحية، وتغيب في أخرى، قال الجرجاني في كتاب "إعجاز القرآن"، وابن زيد: وقيل: معنى ﴿ذَاتِ الرَّجْعِ﴾: ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد، وقال بعضهم: معنى ﴿ذَاتِ الرَّجْعِ﴾: ذات النفع، ووجه تسمية المطر رجعًا: ما قاله القفال: لأنه مأخوذ من ترجيع الصوت، وهو إعادته، وكذا المطر لكونه يعود ويرجع مرة بعد أخرى سمي رجعًا.
١٢ - ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢)﴾ والصدع: ما تتصدع عنه الأرض، وتنشق من النبات إذ المحاكي للنشور هو تشقق الأرض، وظهور النبات منها لإظهار العيون، فالمراد بالصدع نبات الأرض سمي به؛ لأنه صادع للأرض، والأرض تتصدع به، والصدع في اللغة: الشق.
والحاصل: أن الصدع إذا كان اسمًا للنبات، فكأنه قال: والأرض ذات النبات، وإن كان المراد به الشق، فكأنه قال: والأرض ذات الشق الذي يخرج منه النبات ونحوه، كالأموات. وقال مجاهد: والأرض ذات الطرق التي تتصدعها المشاة، وقيل: ذات الحرث؛ لأنه يصدعها، وقيل: ذات الأموات؛ لانصداعها عنهم عند البعث. وفي "المفردات": الصدع (١): شق في الأجسام الصلبة، كالزجاج والحديد ونحوها. وفي الآية إشارة إلى أن السماء ذات المرجع كالأب، والأرض ذات الصدع كالأم، وما ينبت من الأرض كالولد.
والحاصل: أن الله سبحانه أقسم أولًا بالسماء مجردة عن التوصيف - أعني: أول السورة - وثانيًا مقيدة بكونها ذات المرجع، وكذا بالأرض ذات الصدع إيماء إلى المنة عليهم بكثرة المنافع، ودلالة على العلم التام، والقدرة الكاملة فيها.
والمعنى (٢): أي أقسم لكم بالسماء ذات المطر، وهو أنفع شيء ينتظره

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon