المخاطبون من السماء، إذ يبدل جدبهم خصبًا، ويعيد موات أرضهم حيًا، ويصير به لهب صحرائهم هواءً عليلًا، وأقسم بالأرض التي تتصدع بالنبات والشجر والثمار مما به حياتهم، وحياة أنعامهم، وهم في بلاد قفراء جدباء، ونظير هذا قوله: ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)﴾ الآية.
١٣ - ثم ذكر المقسم عليه فقال: ﴿إِنَّهُ﴾: أي: إن هذا (١) القرآن الذي من جملته ما تلي من الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده ﴿لَقَوْلٌ﴾؛ أي: لكلام؛ إذ القول كثيرًا ما يكون بمعنى المقول ﴿فَصْلٌ﴾؛ أي: فاصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما مبالغ في ذلك كأنه نفس الفصل، كما قيل له فرقان بمعنى: الفارق.
١٤ - ﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤)﴾؛ أي: هو كلام جد، وليس بالهزل، والهزل: اللعب، وفي "فتح الرحمن": الهزل: ما استعمل في غير ما وضع له من غير مناسبة ولا علاقة، والجد: ضده، وهو أن يقصد به المتكلم حقيقة كلامه؛ أي: ليس في شيء من القرآن شائبة هزل، بل كله جد محض لا هزل فيه، فمن حقه أن يهتدي به الغواة، وتخضع له رقاب العتاة، ويظهر من الآية أن من يؤم القرآن بهزل، أو يتفكه بمزاح به يكفر، وفي "هدية المهديين": إذا أنكر رجل آية من القرآن، أو سخر بها، أو مزح بها، أو استهان بها فقد كفر، ومن قرأ القرآن على ضرب الدف أو القصبة أو المزمار أو سائر الملاهي.. فقد كفر؛ لأنه استهزأ به وأهانه، فينبغي للمؤمن أن يحترز من هذا كله وأمثاله، ويجتنب عنه. قال أبو حيان: ويجوز (٢) أن يعود الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ على الكلام الذي أخبر فيه ببعث الإنسان يوم القيامة، وابتلاء سرائره؛ أي: إن هذا القول قول جزم مطابق للواقع، لا هزل فيه، بل هو جد كله. انتهى.
والمعنى: أي أقسم لكم أيها المشركون بالسماء والأرض الموصوفين بما ذكر على أن هذا القول الذي جاءكم به محمد - ﷺ - لقول حق، لا مجال للريب فيه، وهو جد لا هزل فيه، فمن حقه أن يهتدي به الغواة، وتخضع له رقاب الطغاة.
أخرج الترمذي والدارمي: عن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "إنها ستكون فتنة"، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon