فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن لمَّا سمعته أن قالوا: ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾، من قال به.. صدق، ومن حكم به.. عدل، ومن عمل به.. أجر، ومن هدي به.. هدي إلى صراط مستقيم".
١٥ - ثم بين ما يدبرونه للمؤمنين، وما تحويه صدورهم من غل لهم فقال: ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن أهل مكة ومعاندي قريش ﴿يَكِيدُونَ﴾ في إبطال أمره، وإطفاء نوره ﴿كَيْدًا﴾؛ أي: حسبما في قدرتهم؛ أي: يمكرون في إبطال ما جاء به رسول الله - ﷺ - من الدين الحق، قال الزجاج: يخاتلون النبي - ﷺ -، ويظهرون ما هم على خلافه.
١٦ - ﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)﴾؛ أي: أقابلهم (١) بكيد متين لا يمكن رده، وأستدرجهم من حيث لا يعلمون، وأجازيهم جزاء كيدهم، قيل: هو ما أوقع الله بهم يوم بدر من القتل والأسر.
وكيد المحدث العاجز الضعيف لا يقاوم كيد القديم القادر القوي، فتسمية الاستدراج والانتقام في الدنيا بالسيف، وفي الآخرة بالنار كيدًا من باب المشاكلة؛ لوقوعه في مقابلة كسبهم جزاء له، وإلا فالكيد وهو المكر والاحتيال في إيصال المكروه إلى الغير بخفية لا يجوز إسناده إليه تعالى مرادًا به معناه الحقيقي، وتسمية جزء الشيء باسم ذلك الشيء على سبيل المشاكلة، شائع كثير في كلامهم، نحو قوله تعالى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ﴾، وقوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥)﴾.
والمذهب الأسلم: إثبات الكيد له تعالى كما أثبته لنفسه في هذه الآية وغيرها، ويقال في تفسيره: كيد الله هو صفة ثابتة له تعالى؛ نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها، أثرها انتقامه تعالى ممن كاد برسوله - ﷺ -.
١٧ - ﴿فَمَهِّلِ﴾ يا محمد؛ أي: أخر وانظر ﴿الْكَافِرِينَ﴾؛ أي: لا تستعجل بالانتقام منهم، ولا تدع عليهم