بالهلاك؛ أي: لا تسأل الله سبحانه تعجيل هلاكهم، وارضَ بما يدبره لك في أمورهم.
وقوله: ﴿أَمْهِلْهُمْ﴾ بدل من ﴿مهل﴾، وهما - أي: التمهيل والإمهال - لغتان بمعنى، مثل: نزل وأنزل، والإمهال: الإنظار، وتمهل في الأمر: اتأد فيه، وكرر الأمر بالإمهال، وخالف بين اللفظين لزيادة التسكين والتصبير. اهـ "نسفي". وانتصاب ﴿رُوَيْدًا﴾ على أنه مصدر مؤكد لمعنى الفعل المذكور، أو نعت لمصدره المحذوف، أي: أمهلهم إمهالًا رويدًا؛ أي: قريبًا أو قليلًا يسيرًا، فإن كل آتٍ قريب، وفيه تسلية لرسول الله - ﷺ - بما فيه من الرمز إلى قرب وقت الانتقام من الأعداء، وفي "كشف الأسرار": وما كان بين نزول هذه الآية وبين وقعة بدر إلا زمان يسير، يقال: أَرْوَدَ يُرْوِدُ إذا رفق وتأنى، ومنه: بني رويد كما في "المفردات"، وفي "الإرشاد": هو في الأصل تصغير: رود بالضم، وهو المهل، أو إرواد مصدر أرود بالترخيم، ويأتي اسم فعل نحو: رويد زيدًا؛ أي: أمهله، ويأتي حالًا نحو: سار القوم رويدًا؛ أي متمهلين، ذكر معنى هذا الجوهري، والبحث عنه مستوفى في كتب النحو.
ولما كرر (١) الأمر بالإمهال توكيدًا.. خالف بين اللفظين على أن الأول مطلق، وهذا الثاني مقيد بقوله: رويدًا، وقرأ ابن عباس: ﴿أمَهلهم﴾ بفتح الميم، وشد الهاء موافقة للفظ الأمر الأول.
والمعنى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥)﴾، أي (٢): أنهم يمكرون بالناس بدعوتهم إلى مخالفة القرآن بإلقاء الشبهات كقولهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا﴾، وقولهم: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾، أو بالطعن فيه بكون الرسول ساحرًا أو مجنونًا أو تبييتهم قتله، كما جاء في قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ﴾.
وبعدئذٍ ذكر ما قابلهم ربهم به، وما جازاهم عليه كفاء عملهم فقال: ﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦)﴾؛ أي: وأقابل كيدهم بنصر الرسول، وإعلاء دينه، وجعل كلمته العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، وسمى مجازاتهم كيدًا منه للتجانس في اللفظ، كما

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon