قال: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾، وقال عمرو بن كلثوم:

أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أَحَدٌ عَلَيْنَا فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِيْنَا
ثم أمر رسوله أن يتأنى عليهم ليرى أخذه تعالى لهم، فقال: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾، أي: سر في دعوتك، ولا تستعجل عذابهم، فإنا سنمهلهم ليزدادوا إثمًا حتى إذا أخذناهم.. لم يبق لهم من راحم، ثم أكد طلب الإمهال وأقَّته بوقت قريب فقال: ﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾؛ أي: إنا سنمهلهم قليلًا، وسترى ما يحل بهم من العذاب والنكال، وفي هذا بعث للطمأنينة إلى قلوب المؤمنين الذين كانوا يخشون صولة الكفار، ويحذرون اعتداءاتهم التي لا حد لها، وتخويف لهم من عاقبة إصرارهم على ما هم فيه من الكفر والمشاقة لله ورسوله وللمؤمنين، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (٢٤)﴾.
فائدة: روي (١) عن همام مولى عثمان رضي الله عنه أنه قال: لما كتبوا المصحف شكوا في ثلاث آيات، فكتبوا في كتف شاة، وأرسلوني إلى أبي بن كعب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، فدخلت عليهما، فناولتها أبيًا، فقرأها، فإذا هي فيها ﴿لا تبديل للخلق﴾، فكتب ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، وكان فيها: ﴿لم يتسن﴾، فكتب: ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾، وكان فيها: ﴿فأمهل الكافرين﴾ فمحا الألف، وكتب ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ﴾، ونظر فيها زيد بن ثابت، فانطلقت بها إليهم، فأثبتوها في المصحف. وفيه إشارة إلى أن الله تعالى حافظ للقرآن من التحريف والتبديل، لأنه أثبته في صدور الحفاظ، وإلى أن المشكلات يرجع فيها إلى أهل الحل.
الإعراب
﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤)﴾.
﴿وَالسَّمَاءِ﴾: ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم ﴿السَّمَاءِ﴾: مقسم به مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا تقديره: أقسم بالسماء، وجملة القسم مستأنفة، ﴿وَالطَّارِقِ﴾: قسم آخر أيضًا مماثل لما قبله في إعرابه معطوف
(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon