وتوجيههم إلى ما فيه الخير لهم، وبيَّن أن الذكرى لا تنجع إلا في القلوب الخاشعة التي تخشى الله، وتخاف عقابه، أما القلوب الجاحدة المعاندة.. فلا تجدي فيها الذكرى شيئًا، فهون على نفسك، ولا يحزننك جحدهم وعنادهم، كما أشار إلى ذلك في آية أخرى فقال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾، ثم ذكر أن أولئك الجحدة العصاة يكونون في قعر جهنم، لا هم يموتون، ولا يسعدون بحياة طيبة.
قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى...﴾ إلى آخر السورة، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر وعيد الذين أعرضوا عن النظر في الدلائل التي تدل على وجود الله تعالى، ووحدانيته، وإرسال الرسل، وعلى البعث والحساب.. أتبعه بالوعد لمن زكى نفسه، وطهرها من أدران الشرك والتقليد للآباء والأجداد بالفوز بالفلاح، والظفر بالسعادة في دنياه وآخرته، ثم ذكر أن من طبيعة النفوس حب العاجلة، وتفضيلها على الآجلة، ولو فكروا قليلًا.. لاستبان لهم أن الخير في تفضيل الثانية على الأولى، ثم أرشد إلى أن أسس الدعوة الدينية في كل الأديان واحدة، فما في القرآن هو ما في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾؛ أي: قل يا محمد أنت وأمتك: سبحان ربي الأعلى إذا أردتم تسبيحه تعالى، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، يدل عليه ما روي عن ابن عباس أن النبي - ﷺ -: قرأ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)﴾، فقال: "سبحان ربي الأعلى"، ذكره البغوي بإسناد الثعلبي، وقيل: معناه: نزه ربك الأعلى عن كل ما لا يليق به من صفات النقص والحدوث، وقال السدي: معناه: عظم ربك الأعلى بوصفه بالكمالات، وتنزيهه من النقائص، فعلى هذا يكون لفظ الاسم مقحمًا لقصد التعظيم، كما في قول لبيد:
إِلَى الْحَوْلِ ثُمّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُما | ومَنْ يَبْكِ حَوْلًا كامِلًا فَقَدِ اعْتَذَرْ |